منوعات
17.05.23

قصص من الواقع وشهادات في محاولات تجميل الشكل وتشويه الروح (2)

يمكن قراءة الجزء الأول من المقال هنا.

الجريمة الثانية:

قالت صديقتي وهي صاحبة صالون حلاقة تمدّدي هنا وسترين النتيجة. و سمحت لها بأن تعبث بشكل حاجباي الطبيعي وأن "تعيث" فيهما بما يعرف بالتاتو آنذاك، وكما تقول هي: "ضروري تشكيل حاجبين يبرزانني بشخصية مختلفة." وقد تناسب رأيها مع حالتي النفسية، فكنت حينها متلهفة لتغيير أي شيء في شكلي بعد فترة من الروتين والملل.

وبدأت عملية "التاتو" أو عفوًا عمليّة "الحفر" في اللحم، وبدأت أشعر بسيلان الدم، بل أشعر بفيضان دم يغطي وجهي ومن فرط الألم صرخت قائلة: "كفى لا أريد لا اريد."
أجابت هي: "لا يمكن، هل ستخرجين من هنا بحاجب واحد؟ يجب أن نكمل."
قلت لها:"لا يهم دعيني بحاجب واحد."
وكانت تضحك  لخوفي وأسمعتني تلك الجملة التي يردّدها جميعنا كلما حاولنا إيذاء أنفسنا: "il faut souffrir pour etre belle ."  بسبب هذه الجملة بالذات، وجدت نفسي بالنهاية بحاجبين اصطناعيين بالشكل واللون الذي أريد، ولكنهما ليسا حقيقتي.

و في كل مرة أسائل نفسي: "كيف يمكن لعملية الحفر تلك وسلخ الجلد وملئه بمواد كمياوية ألاّ يلحق ضررا بالجلد؟" ولهذا ومنذ ذلك الوقت، ورغم أنه بمرور السنوات زال الاصطناعي وصرت مجبرة على ملء الفراغ، ولكن قررت التعامل طبيًا مع حاجبيّ، ورغم إغراءات المكروبليدينغ، قررت ألاّ أخوض التجربة، لأنه من باب الاستحالة ألاّ يكون لذلك أي تأثير سلبي في المستقبل على صحّة الجلد.  

الحقن بالفيلر والبوتوكس:

كنت أتابع جميلات مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانًا تختلط أمامي الأمور فلا أعرف هل هو فقط مفعول "الفلتر" أم هو جمال طبيعي؟ المهم راقت لي الصور، ولم أتردّد للحظة في التواصل مع أخصائية في التجميل من أجل أن أحظى أيضًا بشكل مقبول حسب العقد الاجتماعي الجديد للعالم الافتراضي.

 واتفقت مسبقًا على الأقساط المالية مع أخصائية التجميل: يصل المبلغ حسب المتفق عليه - وهو تدخّل لا جراحي إلى الأربعة آلاف وخمس مائة دينار -مبلغ بسيط مقارنة بما يدفعه الآخرين وبسيط جدًا- وبدأت بالبوتوكس في الجبين. أربعون إبرة كاملة على ثلاث مراحل يعني 120 إبرة في المجموع في جبيني. كنت أشعر بالألم، وكانت مخيلتي تخفف من هذا الألم حين تغريني بصور الجميلات التي سوقتهنّ لي مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت تحوّل ذلك الألم إلى متعة كلما تمثّلت الصورة التي سأكون عليها.

واختفت تلك الخطوط التي كانت في الجبين. أوّل مرّة سررت كثيرًا ولكن مع مرور الأيام صرت أرى وجهي دون تعابير، دون روح. كل الحركات، كلّ الكلمات أنطقها بنفس الطريقة. صار لا معنى لها. وقرّرت منذ ذلك الوقت ألاّ أكرّر التجربة لسببين: السبب الأوّل يتمثل في مسخ ملامحي الحقيقية، والسبب الثاني: لا أعتقد أنّ مائة وعشرين إبرة في جبيني لا يمكن أن تكون لها تبعات في المستقبل. فمهما يكن الأمر لا يمكن لمادة تدخل تحت الجلد وتسري داخل العروق ألاّ تكون لها في المستقبل ضريبة ما.

ما هو البوتوكس؟

هي مادة معروفة باسم "التوكسين بوتيلينيوم"، ويتم استخلاصها من نوع من البكتيريا السامة من خلايا الأعصاب، ويتم حقنها في أنسجة الجلد بهدف منع وصول الإشارات العصبية للعضلات، مما يؤدي إلى تخفيف انقباضها، وهو ما يساعد بدوره على ارتخائها للتخلص من التجاعيد الناتجة عن التقدم في العمر، ومنع تكون خطوط أعمق، حسب أحد المواقع العلمية.

وأمّا الفيلر للوجه فهو: "إجراء غير جراحي لا يحتاج لتخدير، وتستغرق عملية الفيلر للوجه ما  بين ربع ساعة إلى نصف ساعة لملئ الفراغات تحت الجلد التي تسببها التجاعيد وعلامات التقدم في السن، مما يعيد للوجه مظهر شبابي ممتلئ وجميل. يستخدم في تقنية أنواع الفيلر للوجه عدة مواد منها الطبيعي كالخلايا الدهنية أو الكولاجين، ومنها الصناعية كحمض الهيالورنيك أو البولمير الصناعي."

وأما حقن البلازما للوجه لتحفيز تجديد خلايا البشرة: "البلازما كواحدةٍ من مكونات الدم الذي يسير في عروقنا جميعًا، ويتكون الدم من خلايا الدم الحمراء والبيضاء، والصفائح الدموية، وسائل شفاف في قوام الدم هو البلازما الذي يحتوي على الفيتامينات والمعادن والهرمونات، وهو السائل الذي يتم استخدامه داخل إبر البلازما لتجميل الوجه."

وللأظافر أيضًا نصيب:

ولا تتوقف الجرائم هنا، فإذا بدأت تنخدع بأن فكرة التغيير تبدأ بتغيير شكلك، فمن الضروري أن تسقط في فخاخ كثيرة تحت راية هذا التغيير، والفخ الثالث هو الأظافر. كانت أظافري تنمو طبيعيًا، ربما لا تنمو بالقدر الذي أريده، ولكنها تنمو بشكل جميل وفجأة حتى هذا النمو القليل صار حلمًا أو معجزة بالنسبة لي. فلقد انبهرت بأشكال الاظافر المركبة، والألوان واللوحات التشكيلية بالاظافر، ورحت أواكب التيار.

أوّل مرة كنت راضية وسعيدة بالنتيجة: يد أكثر جمالية وأظافر بأشكال ظريفة، وهو ما قادني للتجربة الثانية، ولكن ليس أبدًا كالمرة الأولى. فالتي قامت بإلصاق الأظافر أدخلتها في اللحم، ولما أردت فصلها، اقتلعت الأظافر. بقيت سنة دون القيام بذلك، وذهبت إلى صالون اعتقدت أنه محلّ ثقة، فتكررت نفس الحالة، ولكن هذه المرة ليس بسبب إهمال العاملة، ولكن لأن المواد المستخدمة "الجال" من المواد الرخيصة التي تحدث إصفرارًا للأظافر. منذ مدة وأنا أحاول استعادة أظافري الطبيعية بذلك النمو الذي لم يكن يرضيني في البداية، ولكن تفاجأت أن أظافري لم تعد تنمو وصارت تتكسر بسرعة، فركبني هوس الفيتامينات على أمل أن تعود كالسابق.

لكن هل نكف عن الاهتمام بالشكل؟

أعي جيّدا، أنّ كلكن وأنا معكنّ، يراودكنّ ذات السؤال: هل نكفّ عن الاهتمام بشكلنا؟ لدي عيوب في بشرتي هل أقطع مع التجميل، وأكون بشكل يثير اشمئزاز الآخر، وينفّر خطيبي أو زوجي، أو حتى ينفرني من نفسي؟

أوّلًا لتكوني جميلة كوني جميلة لنفسك، وليس بهوس إرضاء مقاييس الآخر. وثانيًا إنّ اهتمام المرأة بنفسها وبشكلها وبالصورة التي تظهر بها أمام نفسها أوّلًا، وأمام المجتمع ثانيًا، من علامات حبها لذاتها واعتزازها بها. وأوافقك تمامًا سيدتي، التي كنت  تقرئين، وربما اتهمتني بالمثالية الزائدة، فلا بأس من التخلص من بثور مزعجة، ولا بأس من تدخّل لتنظيف الوجه وإزالة الجلدة الميتة، ولا بأس من معالجة تشوّه ما. ولكن متى زاد الأمر عن حدّه وتحوّل إلى هوس، فيصبح تدميرًا للذات لا حبًا فيها، ويصبح تشويهًا للخصوصية وللهوية. الجمال أيضًا في هذه الخصوصية في الشكل.

هل شاهدت الدراما الرمضانية في موسم 2023؟ ألم تلاحظي أنك نفرت من الوجوه المتشابهة، خاصة في الدول الغنية والتي تكون فيها عمليات التجميل بكثرة؟ نفس الوجوه بالمكروبليدينغ والشفاه المنتفخة وغيره؟

فاذا كان وجهك أو شكلك لا يحمل تشوّهًا خلقيًا يحتاج التدخل، لا تنخدعي بصور الفلتر والجمال الرقمي...لا تشبهي أحدًا ولا تحرصي على أن تشبهي أحدًا...تشبّهي فقط بنفسك وجمّلي روحك وسلوكك في موازنة مع شكلك، حتى لا تتحوّلين إلى شبح، وجميلة مع إشعار "مؤقتة"، وتحت رعاية "التدخلات" التجميلية.

مقالات ذات صلة