منوعات
14.05.23

قصص من الواقع وشهادات في محاولات تجميل الشكل وتشويه الروح (1)

من كواليس التجميل: قصص من الواقع وشهادات في محاولات تجميل الشكل وتشويه الروح 

كنت أراقبهنّ باستغراب شديد، أو لنقل بكلّ ما أحمله من أفكار هي "رواسب" انتماء لمجتمع يحصر حقّ الإنسان في الحياة في سنّه، داخل دائرة الأرقام. ويبدو أنّه نفس هذه الأفكار أو المعتقدات التي أسجن فيها المحيطين بي داخل مخيّلتي هي نفس الأفكار التي أسجن فيها نفسي، فأكون في حالة خوف دائمة من المستقبل، وتحديدًا من التقدم في العمر. أخاف أن أمرّ يومًا ما بجانب أحدهم فيقول: "هذه كبيرة جدًا في السن ألم تروا تجاعيدها؟" ولعلّه نفس الخوف الذي نشترك فيه غالبيّتنا مع بعض التفاوت في الدرجات، ولعلّه نفس المحرّك الذي يدفعنا إلى محاربة نقطة ضعفنا "العمر"، فنتحنّط ونصنع من أنفسها صورًا متشابهة بلا روح.

تقول إحداهن، من بين اللواتي استغربت وجودهن في صالون التجميل، أنها تريد إزالة التجاعيد وشد الوجه وإزالة الترهلات وتقول أخرى أنّ زوجها المسن ينظر الى فتيات صغيرات، وتريد ألاّ تقصر في الاهتمام بشكلها فربما استعادته. وتفاجئني أخرى بسؤالها الذي بدا لي غريبًا ومرعبًا: "ماذا فعلت لشدّ خدودك؟" فأجيبها بلا وداخلي يقول: "عيب عليك يا امرأة، ألا ترين أني مازلت صغيرة على الشد؟"

 خوف كبير من التجاعيد وكأنه الغول. والحقيقة أنّ كلنا نحن الذين نجلس في صالونات التجميل نخاف التجاعيد، نخاف تبعات التقدم في العمر على اختلاف أعمارنا. أيام زمان ما كان النّاس ينتبهون على العمر والتجاعيد، لأنّهم كانوا منسجمين مع أنفسهم، وما كان قبالتهم عالم افتراضي معاكس لعالمهم حتى يعرّيهم.

نحن اليوم لا نرى وجوهنا أمام مرآتنا، مرآة بيتنا وإنّما نرى وجوهنا أمام مرآة كبيرة لجميع الناس، مرآة صفحات التواصل الاجتماعي وعلى الكلّ أن يكون متشابهًا أمام هذه المرآة حتى لا يشعر بالعزلة الاجتماعية والاغتراب عن الآخر. ولكنه تنسى الأنا أنها في ذوبانها في صورة الآخر تغترب عن ذاتها. وهذا ما ينساه جميعنا ونحن ندقّ باب أخصائيي التجميل وخبرائه.

هذه مثلًا تريد تغيير شكل أنفها لأنه وبكلّ بساطة موضة الجمال لهذا الموسم تفرض ذلك. بمعنى أنّه كلّما تغيرت الموضة ستحاول هذه البنت تغيير شكل أنفها. يعني لو احتسبنا عمرها على عمليات التجميل قد تغيره عشرون مرّة أخرى على الأقل. وتلك جبينها كبير تريد التقليص من حجمه. والأخرى تريد شكل وجه نانسي عجرم. والأخرى تريد "نفخ" الشفاه وربّما أشياء أخرى.

حين ذهبت أوّل مرة إلى عيادة التجميل، كنت أعتقد أنّي فقط سألتقي بمن يعانون من تشوّهات أو بقايا بثور أو مشاكل بالبشرة تحتاج العلاج. ولكن تفاجأت بأنّ عدد الجميلات طبيعيًا أكثر حتى من اللواتي تعانين إشكالات جلدية حقيقية. والغريب ولا يمكن تجاهل هذا أنّه حتى خلال أزمة الكوفيد والإنسان بين حياة وموت، لم تتردّد البنات والنساء في الإقبال على التجميل وخاصة منها التدخلات غير الجراحية.

إنّنا أمام عيّنة من المهووسات والمهووسين بالتجميل. فالأمر لم يعد محتكرًا على النساء بل تعدّاه إلى الرجال.

ما الهوس؟

الهوس في التجميل هو المبالغة في القيام به، هو تغيير شكل الوجه باستمرار رغم أنّ هذا الوجه لا يحتاج أي تدخّل تجميلي. أستحضر على اعتبار عملي كصحافية، أنّي كنت رفقة إحدى الممثلات المعروفات في تونس، وكنّا نقوم ببعض التدخلات غير الجراحية. كنت مقتنعة جدّا بالنتيجة بعد التدخل، أما هي كانت تقلّب وجهها ولم تقتنع أبدًا، بل أجبرت الأخصائية لتكرار التدخل أكثر من مرة "فهذه لا أريدها هكذا ولم تعجبني، وأريدها مثل فلانة..." رغم أنّ هذه الممثلة جميلة جدًا ولا تحتاج هذا التدخّل الكبير غير الجراحي على بشرتها، وحتى ونحن عائدين كانت لا تكفّ عن سؤالي عن حالة وجهها، إنّه الهوس! لقد كانت تكرّر: "غدًا عندي تصوير لا أريد من فلانة على السوشيال ميديا أن تهزأ مني."

السوشيال ميديا والجمال الرقمي:

في السابق كان الاهتمام بالشكل وبـ"التصغير" و"التكبير" من قبل المشاهير فحسب، ولكن مع الثورة الرقمية والتواصل الاجتماعي وانفتاح باب الشهرة للعامّة، أصبح استعراض الصور والأنشطة هوسًا للكلّ، فمع تأسّس العالم الافتراضي صار الجميع يتهافت على التجميل.

وصرنا نتحدّث أيضًا عن ابتسامة الموناليزا أو الابتسامة الهوليوودية: إنّها الابتسامات المصطنعة التي يحلم بها الأغلبية، وربّما أنا من بينهم. كيف صرنا "عجينة" واحدة نفكّر بذات الطريقة مع تفاوتات؟ هل هي الحاجة للانتماء للآخر وللمجتمع تجعل منا نفرض على أنفسنا الاستجابة لمعاييره الجديدة، حتى ولو كانت في جزء منها غريبة عنا؟ ربما.

 لقد صنع منّا العالم الجديد "تشكيلات" متشابهة، وجوهًا متشابهة بلا خصوصية، أو لنكن واقعيين، نحن من نريد هذا ونتهافت عليه. نرى وجوهنا التي يشكّلها "الفلتر" filtre فنقول لم لا يتحوّل هذا الافتراضي إلى حقيقتنا؟

فالجمال هو ما يعرضه علينا المشاهير من صور على مواقع التواصل الاجتماعي. نحن نعي جيّدًا أنّه الوهم، ولكنّنا في جزء منّا نهيم بهذا الوهم، نعشقه، ننتشبّث به. ومن هذا الوهم تبدأ جرائمنا في حق أنفسنا في حقّ طبيعتنا فنشوّه ما نحمل من جمال طبيعي بريء بجمال مؤقت محنّط متناقض مع طبيعتنا مع فطرتنا. أعتقد وأنّه لا أحد منّا سأل: لماذا نكره لون عيوننا الأصلية؟ لماذا لا يعجبنا شكل الحاجب ولا شكل الفم ولا شكل الأنف؟ هل فعلًا بحثًا عن الجمال؟ وماذا نفهم من الجمال؟  هل تحوّلت حتى مقاييس الجمال إلى مقاييس رقمية يحكمها الفلتر؟

تجميل أو تجريم؟

أنا واحدة من بين كثيرات سقطن في فخّ تغيير الشكل، ومع كلّ جريمة ارتكبتها في حقّ ذاتي أدركت فكرة ما قضت على الأفكار والمعتقدات السلبية التي أخذتها عن العالم الجديد. فالانسجام مع التطور والتقدم الرقمي لا يعني أبدًا القضاء على الهوية والخصوصية. وحكاياتي أو جرائمي كانت كالتالي:

أعترف أني كنت من بين الكثيرات التي جربن "التحنيط"، واكتشفت أنّ كلّ ما فعلت لا يمكن إلاّ تصنيفه في باب الجريمة في حقّ الذات، في حق النمو الطبيعي، في حق الجمال الطبيعي. الجريمة تبدأ مني ومنك حين ننبهر بالآخر ونفقد انتماءنا لذواتنا. نفقد حبّنا لأنفسنا. نفقد معاييرنا الذاتية للجمال وللحياة وللسعادة. وتصبح كل تصوّراتنا مبنية على أشكال ّ"روبوتية". وكنت في لحظة ما، من بين هؤلاء وهل ما زلت كذلك؟ وهل لو أتيحت الفرصة أكرّر ذات الجرائم؟ الإجابة في التالي...

الجريمة الأولى:

كانت أمي ترفض بشدّة تغيير لون شعري خاصة وأنّه أسود اللون بلمعانه الطبيعي وحريري وطويل. ولكن أوّل ما تحرّرت من سلطة أمي، لم أتردّد للحظة في الذهاب إلى صالون الحلاقة للتحرر من اللون والطول. وتغيّر لون شعري وصار قصيرًا، ولكن دفعت ضريبة ذلك، ففقد شعري لمعانه الطبيعي، وصار خشنًا على اعتبار أنه قبل الحصول على اللون الطبيعي، وضعت الحلاقة مادة كيمياوية لتثبيت اللون ألحقت ضررًا بخصلات الشعر. خرجت من صالون الحلاقة بلون جميل وجذاب، وبعد أيام قليلة سرت فيّا حسرة على اللمعان الطبيعي وشعري الحريري الانسيابي والذي لم يعد إلا خشنًا وغير قابل للنمو بسبب المادة الكيميائية تلك، ومعها حاولت القيام بما يعرف بــ "البروتايين" ونجحت معي التجربة في المرة الأولى، وفشلت الثانية بسبب "الغش" والمواد الفاسدة. وهنا نشير إلى تقصير الرقابة في ذلك، فعدد من الحلاقات يستخدمن مواد فاسدة وغيرهن يفتحن خدمات جديدة لا علاقة لها باختصاصهن.

والأكثر من ذلك وبينهن من أصحاب الشهادات من يمنحن لأنفسهن ليس فقط حقّ التكوين، ولكن أيضًا بيع الشهادات لغير المتكونا،. وقد حضرت على موقف شبيه.

ولشدّة ما أتحسّر على شعري الطبيعي صرت كل ما اعترضتني فتاة بشعر جميل طبيعي أنصحها ألاّ تشوهه بالتدخلات الكمياوية وتركيب الشعر extension وكل تدخلّ غير طبيعي له تبعات على صحّة الشعر.

 

·      سوف ننشر الجزء الثاني من المادة الأسبوع القادم.

 

مقالات ذات صلة