منوعات
03.05.23

[وفي أنفسكم أفلا تُبصرون]

كُن ذاتك الحقيقية من توّة!

ما هي ذاتي الحقيقية؟ كيف أكتشفها؟ من أنا؟ جميع هاته التساؤلات تكاد لا تقف انهمارًا على عقولنا في ظلمات الليالي. كلنا نطرح هاته الأسئلة، لكن نتناسى أننا نحمل في داخلنا كينونة إنسانية هي من التعقيد الشيء الكبير، ولعلّ الجسد أحسن مثال على مثل هكذا تعقيد.

كلنا نمتلك فراغًا داخليًا لا يستطيع المتاح أن يملأه...إحساس النقص لشيء ما، المادّة لا تلبسه، موجود في ذات كل إنسان. فإلقاء نظرة ولو صغيرة لمن حولنا سيجعلنا نرى أنّ إنسان هذا العصر أبعد ما يكون عن معرفة نفسه، فكيف بهم يدخلون بحر تغيير الأنفس والآفاق؟

تبدأ رحلة اكتشاف الذات لا بالسيّر في الطريق وإنّما بالتوقّف، التوقّف لفترة (قد تطول أو تقصر) عن مجاراة هذا العالم المضطرب. أي أن يوقظ الإنسان نفسه من زحام هذا العالم ويتأمّل في ذاته، وفي الآخر والطبيعة والوجود ليعرف أنّه موجود وأنّه لا زال يحيا.

بل ويسأل الروح، في مداعبة فضولية:

من أنا؟

ماذا أفعل في هذا العالم؟

أين أنا؟

ماذا أعرف عن نفسي؟

لماذا خلقت؟

كيف أغيّر أسلوب حياتي؟

هاته الأسئلة وغيرها الكثير تحمل لنا العديد من الإجابات التي تساعدنا في أن نبصر ذواتنا ونعي بوجودها. فإنسان هذا العصر في وسط هذا الزحام يجد نفسه في غربة، ولا يحمل في باطنه معرفة بسيطة عن الدين وعن أصدقائه وعن أهله وعن كل شيء، ولكن لا وجود لشيء عن نفسه.

إنسان هذا العصر يجد نفسه يضطرب باضطرابات هذا العالم واقعًا في تحديات قاهرة وصعبة، ويجاري هذا العالم في عبثه وتأتي لحظة يحدث شيء يُبعد هذا الإنسان عن عجلة الزمن لبعض الوقت. وهنا تأتي لحظات الحقيقة، لحظات تؤلم النفس وتكسّر العقل وتجعل فيه بعض التشققات منها يدخل النور وتنير الروح لتظهر للوجود.

وهنا يولد الإنسان من جديد ليدرك من هو، وما هو دوره، ويدرك الكثير.

ففي تأمّل الإنسان لذاته يكتشف أنّ تصرفات الإنسان تنشأ من ردّات الفعل، وغالبًا ما تكون ردّات سلبية وينقصها التوازن فيه من الانحياز والتعصب لشيء ما (مهما كان) الكثير.

كذلك في معرفة الإنسان لذاته يدرك أنّه نتاج تجاربه والواقع مجرّد انعكاس لأفكاره، ولمنطقٍ يشوبه العديد من العقد والجروح التي تتأصّل في النفس نتيجة تجارب مؤلمة في الماضي. إذًا فالإنسان هو نتيجة لتجاربه حيث يُبنى منطق وعقيدة متأثّرة كثيرًا بالماضي، فتظهر في تفكير الإنسان وفي تصرفاته. إذًا فالدخول إلى عالم النفس بكل صدق وواقعية يستوجب التأمّل في ذاتك أولًا، وإدراك مصدر ردّات فعلك، والعمل على التوازن وتشافي الذات من تجارب الماضي المتأصّلة في باطنك.

وهنا تصبح الحقيقة جليّة أمام ناظرك.

الحوار الداخلي مهمّ جدًا ويمكن من المصارحة ونسف مشاعر الخزي والعار تجاه النفس ويعزّز حضور الروح. فمثل هكذا تعامل مع النفس يؤدي إلى علاقة رائعة في شفافيتها مع الذّات الحقيقية ومع الخالق ثم مع الآخر. معرفتك لذاتك والعمل على تشافيها من الماضي في تجاربه، والحاضر بموجوداته والمستقبل لأنّه وهم، سيفتح أمامك المجال لعلاقة أرحب مع ذاتك ومع الآخر. وهنا يتحلّى سحر التوازن في كل تصرفاتك، بين ما تعطي وما تأخذ من ذاتك ومن الآخر ومن الكون.

تتمثّل فلسفة التوازن في أن نكون أصحاب عطاء وأيضًا أصحاب أخذ. لأنّنا بحاجة إلى التعبير عن الحب حيث يتخذ أشكال عديدة منها العطاء. عندما أحقق اكتشاف ذاتي فسأحصل على الأجزاء الناقصة في علاقتي مع الخالق، وأملأ الفراغ الذي يوجد في ذات كل إنسان.

سيساعدك إكتشاف لذاتك على تطوير مقدرتك النفسية على مقاومة ضغوطات الحياة وصخبها، عندما تستوعب وتدرك بأنّه يجب عليك أن تعيش حدود يومك فقط.

هذه بعض الأمور التي تنقصنا في حياتنا اليومية كبشر نعيش على هذه الأرض لمهمّة ما (لنعمل ما نحب). رحلة اكتشاف الذات مهمّة لأنّها هي أساس التجربة الأرضية. لكي تعطينا إنسانًا صالحًا ومصلحًا قادرًا على أن يُزهر أينما أتيته الله.

مقالات ذات صلة