ثقافة
08.04.22

تونس وليبيا: ما بين الفنون والتبادل الثقافي الراحلة ذكرى محمد

 مقدمة:

عندما قادتني أقدامي من معرض ثقافي أو فني إلى السينما والعروض التصويرية، أو حتى عندما شاهدت العرض السابع لمسرحية "خمسون" في تونس، حينها شعرت أن هناك مسافة قريبة جداً بين الأعمال الفنية الليبية والأعمال الفنية التونسية، مما يجعلهما يحكيان نفس الموال، ولكن في رقعتين جغرافيتين قريبتين من بعضهما، وبطرق مختلفة تماماً. كل واحدة منهما تمتاز بأسلوب يلفت الأنظار، حيث أن الفنون والعروض الثقافية والمسرحية تحاكي في بعض الأحيان المأساة والهموم، التي تترجم حياتنا وقضايانا بأسلوب مرتب وربما عشوائيّ، ومعاناتنا من جانب آخر من خلال مشهد سينمائي أو مسرحي معين، والعروض بشتى أنواعها وأشكالها الفنية المعاصرة الجميلة.  

 

ليبيا الحاضرة الغائبة:

تعتبر حالة ليبيا الفنية والثقافية حالة خاصة نوعاً ما في المنطقة، بسبب عدة عوامل لعلّ أبرزها النظام الشمولي الذي كان يتحكم في شكل الفن الذي انعرج عن مسارِه الجوهري المبني على عمق الكيان، والارتجال، وحب الفن، وتفاصيل جميلة أخرى .. أحدهم فقد حياته وآخر يعاني في المهجر وحرب التنمّر الإلكترونية مستمرة، بسبب أغنية وربما فيلم، أو مشهد لا يحمل حالة الوهم التي تعيشها الأنظمة المستبدة الخالدة والرجعيين.

خلق قُرب تونس ثقافياً وجغرافياً بيئة لتكوين قاسم مشترك من خلال الخبرة والمعرفة في السياق المقدم للجمهور، حيث يظل تأثير تونس الجارة موجود في فعاليات وعروض وفنون باتت مصدر للإلهام لعدد لابأس به من منتسبي وهواة الفن في ليبيا، وعلى وجه الخصوص الأجيال الصاعدة التي تبحث عن التطوّر فيما تقدمه.

المطربة الراحلة ذكرى محمد في أغنية وطنية ليبية بعنوان ( وطنا يا وطنا )

الراحلة ذكرى محمد، والنجع والجنوب التونسي بوابتي للتراث الليبي:

 تخبرني حذامي يحي، مصورة فيديو وفوتوغرافية تونسية وعملت مع مؤسسات صحفية، بأن عند الحديث عن الفن والتراث الليبي لا يسعها إلا ذكر القامة الفنية والتراثية ”الراحلة ذكرى محمد”، وشكل الجمل بجانب الخيمة الليبية، والأغاني الممزوجة بالأهازيج والكلمات الدافئة والنجع الأصيل فهو المفضل لديها، وقد حظيت حذامي” في بن قردان قرابة الحدود الليبية بطفولتها وعاصرت الثقافة الليبية التي لا تختلف عن ثقافة وفن الجنوب التونسي فهي تتشابه إلى حد ما كما ذكرت .. ووصل التشبه إلي الأكل والجلسات الشعبية الفنية والتقاليد الاجتماعية في أحيان أخرى.

ذكرى محمد الحب النقي جلسة الخيمة بالمغرب سنة 1990

وجهة نظر ”حذامي” أن ”الموروث التراثي هو إرث الموروث الثقافي”، وعندما غنّت الفنانة الراحلة ذكرى التراث الليبي هذا ساهم في بناء قاعدة تراثية مشتركة بين مدن الحدود التونسية وليبيا على الأقل، وترى أن التراث الليبي كان معروف ومشهور جداً في السابق، وتتمنى لليبيا بأن تنهض مرة أخرى بعد كل هذا الهلاك.  

من الملاحظ أن هناك تطور على صعيد دعم المبادرات والفعاليات الثقافية الليبية، وبروز وجوه جديدة بعيداً عن القيود التي منعت الفن من الخروج كما هو عليه اليوم، بسبب عصر العولمة والخبرات المتاحة، وتعتقد ”حذامي” أن البلدين ليبيا وتونس في نفس الاتجاه والنهج حتى خلال متابعتها الأحداث السياسية المتصاعدة ومتابعة القنوات الفضائية الليبية، تقول: "دائماً تضل علاقة الفن بالسياسية متصلة بشكل وثيق."

أما ثورة الحريّة والكرامة والعدالة التونسية فساهمت كثيراً في انفتاح الجمعيات الثقافية والميديا بشكل عام، ما جعل الفنانون التونسيون يقدمون إبداعاً لا متناهي في سبيل الفن .. ولا يزال مهرجان أيام قرطاج الذي تأسس عام 1964 يضم عدد كبير من النخب السينمائية والموسيقية والمسرحية من المغرب الكبير والعالم، ومناسبة فنية ثقافية تعطى الفرصة للمهتم بأن يطوّر نفسه، ويستمتع ويبني شبكة علاقات من ذوي الخبرة والهواة في وقت واحد وفي مكان واحد.

 

فنانون ليبيا ليسوا تحت السندان:

في المدينة القديمة بطرابلس تم تجهيز مقار عامة وخاصة ثقافية حديثة ومستمرة النشأة لاحتواء المهتمين بالفن والفنانين على خطى تونس.. جسور الثقافة والفن والحب بين ليبيا وتونس ممتدة منذ القدم وهي في تطور منشود.

ليبيا | لوحة أرضية رائعة للفنان الليبي التشكيلى إسكندر امحمد السوكني

الفنان الحروفي التشكيلي الذي لديه 65 لوحة وسجادة كبيرة بفندق لايكو في قلب العاصمة تونس، إسكندر أمحمد السوكني يقول لي بأن "للفن الليبي خصوصية تجمع بين الصحراء والبحر"، فهو في هذا المجال من عام 1983 وله العديد من اللوحات الأرضية في طرابلس الليبية.  ويعتبر الفن إِرث، "وما يجعل الفن ثري بتنوع المكان والثقافة في ليبيا هي المدن والقرى ذات التنوع الثقافي المختلف" بحسب تعبيره .. وأن بداية الجائحة أثرت بطريقة سلبية على الفن والفنانين، في حين يشدّد على دور وزارة الثقافة في تكوين مركب ثقافي على شكل مراكز ثقافية تحتضن المثقفين ومهتمين بالتراث والفن، ومن جانب آخر تمثلت أغلب مشاركات ليبيا حتى على مستوى تونس الجارة، لمشاركات فردية عن طريق جمعيات ومجموعات عمل مصغرة.

1 / 6

ومع ذلك ”الفنان إسكندر” لا يكترث للإمكانيات عموماً، وأكد أنه عمل على أرضية خرسانية على مسطح الكلية العسكرية للبنات ـ سابقاً في طرابلس بمساحة ”ألفان وسبعمائة متر” وتعد أكبر اللوحات الأرضية في العالم، بالإضافة إلى عدة خامات أخرى من القماش والورق والحائط والمعدن والجلد  الصناعي والطبيعي والسجاد الآلي واليدوي.

 

تربط الحركة الفنية والثقافية بشكل أوسع البلدين في تبادل الخبرات، وإنشاء أعمال ثنائية بزوايا مختلفة، حيث هناك العديد من المسلسلات الدرامية والوطنية والسياسية وأيضاً التاريخية والكوميدية الليبيَة تُنتُج وتصُور في تونس، وقنوات ليبية تبث من على الأراضي التونسية.

ولعل أبرز الأعمال المرئية التي لها رؤية إخراجية على المستوى الوطني: مسلسل السيرة العامرية الذي يتم تصويره في تونس من إنتاج قنوات 218 للمخرج نزار الحراري، ومسلسل الزعيمان وتم تصويره في غار ملح ببنزرت، ومسلسل زنقة الريح الذي صُوَر في المدينة التونسية العتيقة، ومسلسل غَسَق الذي شارك فيه ممثلين من تونس للمخرج أسامة رزق وأعمال فنية أخرى وكثيرة.

مقالات ذات صلة