منوعات
20.05.22

مسلسل حرقة يحكي قضايا القارة الأفريقية: هل هذه هي الحقيقة؟

مقدمة:

في حالٍ سمعت عن المسلسل التونسي "حرقة " للمخرج «الأسعد الوسلاتي»، حتما سيخيل لك أنك ستشاهد أيقونة عمل محترف تُعرض في شهر رمضان يحصد عديد الجوائز، ويحكي قصَّة "رحلة الموت" على طريقة الدراما الاجتماعية وشخصيات قاست الحياة وعانت ظروف المعيشة بمسبًّب أو سَبب وغالباَ ما تكون منظومة النظام الاجتماعي أو السياسي والاقتصادي. لكن يبدو أن المَخْرَج «الوسلاتي» قد فتح علينا أوجاع وجروح لم تًّندمل بعد. ـ خَلاف قضية القارة الإفريقية ,, قضية الهجرة الغير قانونية ’’ خلال طرح سلسلة حرقة، مع ذلك يَصِر «الوسلاتي» على إظهار قضايا الأنسان بطريقة درامية واقعية لا تخلو من الحركة والتشويق، جسدت مشاعر خماسية مَمْزُوجَة بالفرح والقهر والغدر، والتضحية والخذلان اللذان كانا مثل المتلازمة خلال سلسلة المسلسل. 

«الهروب من الموت لضمان حياة أفضل هو الهدف في الظاهر، ولكن للواقع وجهة نظر أخرى تماماً!"

الأحياء المنفية توأمة القهر: قابس على الهامش:

خلال الصباح الباكر وإلي أن تصبح الشمس في الأفق ليعم الليل وفي حضرت الظلم و تجلَّى الفقر المقنن وانعدام الخدمات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وسط الفيروسات والأمراض المتجددة يقطنوا « البرباشة »، في مصب القمامة. تحاصرهم الروائح الكريهة من كل حدب وصوب، بأيديهم يجمعوا ما خف حمله وغلا ثمنه. ليتحصل على « ما يعادل 4 يورو ضريبة الحياة بدون هواء صافي، وقيمة لكل 20 كيلوغرام من البلاستيك المستعمل»، صورة الفقر والكفاح والقمع في أبهى حُلة، منظمات وهيأت دولية تحترم الإنسان وتطالب بالعدالة والعيش الكريم للأحياء المنفية «الموصومة»، لكونهم من بني الإنسان ولديهم حقوق وواجبات، وليسوا بمنبوذين أو مجرمين خلال التعرف على الكنه المحكية أو مكان النشأة والوضع الإجتماعي.

 كارثة غرق الناقلة التجارية "كسيلو" بخليج قابس « المحمّلة بــ750 طنا من مادة ’القازوال, بحسب تصريح لوزارة البيئة التونسية». واحة قابس كانت امتداد لشواطئ جميلة، وقبلة للسياح من خارج الأراضي التونسية، ولكن، منذ أن تم إنشاء المجمع الكيميائي في قابس [عام 1972 ]وعلى امتداد السنوات الأخيرة تحولت أغلب الشواطئ في قابس إلى شواطئ مُلوثة وممنوعة من السباحة، وبعد عشرات الاحتجاجات من سكان قابس للمطالبة بتفكيك مجمع الإنتاج الكيميائي، ونقله إلى أي مكان آخر لتقليص نسبة التلوث في المدينة، وإعادة الحياة في البحر الذي تحوّل إلى مساحة مائية حمضية للموت، تراكمت أكوام النفايات والقوارير البلاستيكية ليغرق فيها ميناء محافظة قابس، ويكون الميناء مكب للمخلفات ووجهة للبرباشة وسط كارثة بيئة محتملة الوقوع هكذا تقول الصور.

 

غابت كبد الأم في الغربة المُذلة:

قد تبدو الغربة التي تلازمك في وطنك الذي نهبك حقك في حياة أفضل، عبر البيروقراطية الورقية المعقدة وأمور أخرى كثيرة، مقارنة بالانتحار وسط بحر هائج ملوث على متن مركب لا تعرف إذا كان سيقطع منتصف الطريق أم لن يبرح مكانه. صورة التضحية في «حرقة»، التي قدمتها الأم لكي يهاجر ابنها المعيل، عبر المتوسط بالإكراه وبدافع الأنانية منها، دفعت ثمنها باهظ، في ظنها أن الحياة الوردية التي أرسلت إليها كبدتها، سيعود منها محمل بالمال والهدايا، وليس مكبل الأيادي لأسباب كان ضحيتها نَسَبِيًّا، وهذا ما يحصل في أكثر من [18 سجن] في إيطاليا كما أشارت منظمة العفو الدولية في تقريرها، حيث أن ما لا يقل عن [300  ألف مهاجر] كانوا لا يزالون بدون وثائق في إيطاليا ويتعرضون للابتزاز ويعملون في ظروف لا إنسانية وقاهرة. » مشاعر الأمومة استيقظت متأخرة عندما أدركت أن رُفات المهاجرين يملأ الشواطئ، وشعرت بمشاعر الفقدان، عدا مشاعر القهر والحسرة  في كل ملتقى مع ذوي المفقودين.

 الطمع في حياة أفضل عبر رحلة الموت قد يودي إلي نهاية أو بداية «حياة»، وهذا ما حصل ويحصل في واقعنا الذي لا يختلف بَتّ عن سلسلة حرقة في تفاصيل الحبكة وتنفيذ السيناريو.

 

مركب الموت ـ الطريق إلى الحقيقة:

(نَحْنُ لَا نتحدَّث هُنا عنْ مُهاجِرِين من شِمال إِفْريقْيا والشرْق الأوسط ، الْأَمْر مُؤْسِف ، نَحْن نتحَدّث عَن مُهاجِرِين أوروبيين يشبهوننا ، ذوِي الشّعْر الْأشْقر بِعُيون زرْقاء والإتكيت .)، هذا جزء من تغطية الإعلام على الضفة الأخرى،واقع المهاجرين من أوكرانيا، حيث يضرب بالمهاجرين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأمثال والمواعظ في النكبات غالبا، الواقِع مُبكِي هكذا وصل بِنا الْحَال . «وكأنهم خلقوا للشقاء في كل بقاع الأرض».

 ـ المشاكل التي يسببها العديد من المهاجرين بشكل غير قانوني في إيطاليا، تعكس تأخير عملية التحقيق بدوافع ذاتيه وإجراءات العديد من طالبي اللجوء في بلد اللجوء تأخذ فترة من الزمن، ويصبح المهاجر محتجز في الكمب على ذمة التحقيق أو «المقابلة السردية» هذا ما تقوله تقارير منظمات محلية إيطالية، «أن أكثر من 56 ألف مهاجر تقدموا بطلب لجوء خلال عام 2021» والرقم مائل للزيادة مقارنة بانخفاض واضح شهده الرقم [عامي 2018,2019 ] بسبب الأزمات والحروب والأوضاع الاقتصادية المستحدثة في دول المنشأ، والبحث عن حياة أفضل. « دومينيكو لوكانو » كان يشغل منصب عمدة بلدية رياشتي جنوب إيطاليا ـ [عامي 2004 و2018 ]. وقد كرس وقته خلال فترة ولايته على مساعدة والترحيب بـ 450 لاجئا، وتوطينهم في القرية الصغيرة لتدور العجلة الاقتصادية هناك، هذا لم يَرِقّ لوزير الداخلية الإيطالي السابق « ماتيو سالفيني» الأمر لا يطاق قائلاً: لِيَحْكُم على «دومينيكو لوكانو» بالسجن  [ 13عاما] بتهم كيدية وفق الصحافة الإيطالية، ولأنه فتح أبواب بلدته لمئات اللاجئين القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط.

نعم هذه هي إيطاليا التي فتحت أبوابها ونوافذها لأصحاب العيون الزرقاء، وتشتكي المهاجرين القادمين من المتوسط، وكأنها منزعجة من ملف الهجرة بعد تقديم مساعدات مالية وتدريبات احترافية لخفر السواحل على هيئة إتفاقيات متجددة كل ثلاث سنوات. ولم يُفتح بعد ملف أطلاق الرصاص الحي على مراكب المهاجرين التي نجت في عرض المتوسط والذي تورطت فيه الخارجية الإيطالية وقالت أنها لاازالت تحقق في الأمر!. ومن جانب آخر تزايدت أعداد المهاجرين خلال السنوات الأربعة، والأرقام في تضاعف.

 

التمييز العنصري وسلب الحقوق ـ نشاط عام: 

الأنشطة اليومية والمجانية التي يمارسها العامة من "أصحاب الأرض" في دول شمال أفريقيا على المهاجر أو اللاجئ القادم من جنوب أفريقيا متعددة، ولها اعتبارات مثل اعتبارات "عقدة الخواجة"، والعرق النبيل الصافي ـ والتي قد تؤدي إلي عوَاقِب لَا يَحْمدُ عقباها. ويعطون أنفسهم الحق في ممارسة العنصرية المسلطة بناء على لون البشرة أو الدين أو العرق أو الجنس أو الشكل، وحتى العادات والتقاليد التي تُعَبِّر عن هويته وإنتماءه، لم تسلم الأخرى وتعرضت للسخرية والتقزيم، وخاصة في الفضاء الإلكتروني والواقع اليومي.

 

 {التمييز العنصري يودي إلي سلوك مثل الانتحار في غياب السلام واحترام الأخر مهما كان الاختلاف محمود، في تونس سُنّ قانوناً يعاقب التمييز العنصري ويسمح لضحايا العنصرية بالتماس الإنصاف عن الإساءة اللفظية أو الأفعال العنصرية الجسدية ضدهم، والثغرات موجودة في القانون بالتأكيد}

 

ـ عادة ما يرتبط مُسمَّى العمالة الرخيصة بالمهاجرين، وحتى في الضفة الأخرى التي يباع فيها الأطفال والأعضاء على حدا سواء وفق مرصد «بلاسيدو ريزوتو» الإيطالي، الذي كشف في تقريره أن [15ألفا] من عمليات استغلال المهاجرين تحدث في المزارع الإيطالية، ومنحهم المرصد وَصمَ «عصابات أرباب العمل» التشكيل الذي يعمل كما تعمل العصابات بنظام هرمي، يبدأ من السائق وحتى زعماء العصابات، الذين يرتبطون بدورهم بجماعات مُتخَصِّصةٌ في تجارة البشر، في ذات الوقت ذكر تقرير للأمم المتحدة يؤكد أسواق بيع المهاجرين الفارين من جحيم الصحراء، بشكل علني في دول العبور وأخذ صداه الطبوغرافيا. وفاة الآلاف من المهاجرين في المزارع الإيطالية في ظل ظروف العمل والسكن والعائد المادي القليل، ونقل المهاجرين من مزرعة إلي أخرى بسبب موسم الحصاد، يعتبر سلوك فردي طبيعي لدي عيون الحكومة الإيطالية الزرقاء، هِي التي ضربتْ التَّشْرِيعات والمواثيق الدولية عُرْض الْحائِطِ.

هكذا «يُباع وَيُشْتَرى الْمُهاجِر» وهو لا يعلم، كأنه سِلْعة مُسْتَوْردة رخِيصة الثَّمَن، لم ينجى من أبناء جلدته، وقارته، ليجد أياديه مكبلة بالدليل والجريمة، في انتظار رحلة العودة، يجب أن يستيقظ من هذا الكابوس الذي رمْي بِنا وسط أمواج قاتلة لا ترحم، وقبطان طاغي وظالم، ورفاق ليسوا كالأصدقاء وإنما غرباء.

مقالات ذات صلة