ثقافة
17.08.22

ماذا يقصد الصادق الحمامي بالدّيمقراطيّة المشهديّة؟ 

مناقشة كتاب الدكتور الصادق الحمامي:"ديمقراطية مشهدية الميديا والإتصال والسياسة في تونس"

*الجزء الثاني من المقابلة التي أعدتها بثينة عبد العزيز غريبي مع الأكاديمي والباحث في الميديا الصادق الحمامي.

  • ماذا تقصد بالدّيمقراطيّة المشهديّة؟ 

العلوم السياسية استخدمت العديد من المصطلحات في توصيف الدّيمقراطية على غرار الديمقراطية العاطفيّة وديمقراطية الرأي...وقد استلهمت المضمون النظري الدّيمقراطيّة المشهديّة من مقاربة نظريّة أسّس لها الباحث الفرنسي برنارد مانان  الذي يتحدّث عن ديمقراطيّة الجمهور وهي طور من أطوار الديمقراطيّة التمثيلية بعد الديمقراطية البرلمانية ثمّ ديمقراطية الأحزاب.  

في ديمقراطية الجمهور تصبح الميديا هي المحدّد الأساسي في الحياة السياسة . فهي تحتضن النّقاشات العامّة وهي وسيط الناس إلى الحياة السياسة الذي يلج من خلاله النّاس في إلى الحياة السياسية. ويصبح اختيار الشخصيات السياسية قائمًا على الخصال التي لها علاقة بالاتصال وبالثقة وبالصورة. إذن أخذت هذا المفهوم عن برنارد مانان وطورته لأن برنار مانان اشتغل على الديمقراطية قبل  ظهور الإنترنت. يجب أن نعرف أنّ الديمقراطية بشكل عام وممارسة السياسة بشكل خاص تقتضي بعدًا تمثيليًّا. لا يمكن أن نتحدّث عن ممارسة السّياسة دون الاتصال لأنّ السياسة تمارس أمام النّاس في مشهد عام. "الديمقراطيّة المشهدية" هي إذن إدارة الحكم والتنافس عليه بواسطة الاتصال والأساليب المشهدية.  

 في هذا الإطار أنا أميز بين ما أسميه "السياسة القديمة" و"السياسية الجديدة": أيّ السياسة كما كانت تمارس قبل 2011 والسياسة كما أصبحت تٌمارس بعد 2011.  إن الانتقال السياسي هو على نحو ما تحول حاسم في طبيعة السلطة وفي والوسائل التي تستخدمها حتى تتحصل على إذعان المواطنين. قبل 2011 كان هذا الإذعان يتحقق بواسطة القوة والعنف والإكراه الذي استبدل بالاتصال وبتقنيات الإقناع والتأثير بعد 2011، ولهذا التحول  الحاسم تأثير كبير على المجال العمومي وعلى الميديا والصحافة وعلى مكانة الاتصال السياسي.  

لم يكن للصحافة والميديا  الميديا قبل 2011  منطق خاص بها يضمن لها استقلاليتها  في معالجة الأخبار وعرض الأحداث السياسية بما أنها كانت  تدار بشكل كامل من السلطة السياسة . بعد 2011 صار للاتصال السياسي مكانة هامّة داخل الحياة السياسية، وأصبح الاتصال بعدًا أساسيًّا من أبعاد التنافس على السلطة، وتم استبعاد الإكراه والعنف. نتائج انتخابات 2019  تبيّن كيف أن الاتصال أصبح عاملًا محددًا في الحياة السياسية عندما صعد إلى الدّور النهائي شخصيات استخدمت بشكل مخصوص الميديا. فقيس سعيد ليس له برنامج سياسي أصلًا وفوزه مرتبط بشخصيته وبالجماعات الرّقمية، وكذلك لا يمكن أن نفهم صعود نبيل القروي إلى الدور الثاني دون فهم استخداماته للتلفزيون. إنّ الديمقراطية المشهدية هي تعزيز استخدام الاتصال في أبعاده المشهديّة الخالصة  الذي تأكد مع البرلمان منذ  2019  إلى 25 جويلية  الماضي.  

  • أيّ دور للصحافة التونسية في إطار هذه الديمقراطيّة المشهديّة؟ 

داخل ما يسمّى الصحافة التونسية هناك في الحقيقة صحافات وليست صحافة واحدة . النوع الأول من الصحافة هو نوع من صحافة النقل يمارسها صحفيون من وراء الكمبيوتر أو في الميدان يشتغلون في ظروف سيئة جدًا وهي صحافة ذات بعد تبليغي تقوم على إعادة نشر ما تصدره المؤسسات بكل أنواعها وما تصرح به الشخصيات وما ينشر في الميديا الاجتماعية  وفي كثير من الأحيان دون معالجة. 

النوع الثاني من الصحافة أٌطلق عليه الصحافة الإخبارية التي تتضمن التفسير والتحقيقات والاستقصاء وأشكال أخرى مما يسمى صحافة الجودة وهي في الحقيقة محدودة جدا لا نراها إلا في بعض المواقع كنواة وانكفادا والكتيبة وفي بعض المواقع الأخرى ومؤسسات أخرى لكن بشكل غير مستمر... . 

 والنوع الثالث من الصحافة هو ما أسميه الصحافة التعبيرية ونجدها غالبًا في برامج النقاش السياسي وهي تتمثل في كثير من الأحيان في شكل حوارات تتداخل فيها الأبعاد الذاتية بالتعليقات على الأحداث، ولا تُحترم فيها دائمًا المعايير الصحفية. وهذا النوع من الصحافة يمارسه في كثير من الأحيان فاعلون غير صحفيين يأتون من الحياة السياسية. ونلاحظ كذلك في كثير من الأحيان أن الفاعلين في هذا النوع من الصحافة يمثلون في الحقيقة فاعلين سياسيين، مما يضفي الكثير من الهجانة على هذه  الصحافة بسبب التداخل بين الصحافة والسياسة والاتصال السياسي...  

  • هل يمكن القول أنّ الديمقراطية المشهديّة هي ديمقراطية ما بعد الحداثة أم هي انعكاس للديمقراطية الكلاسيكية بقناع الحداثة؟ 

لا أتفق معك في ذلك، فمفهوم الديمقراطية المشهديّة يطمح إلى التفكير في نتائج الاتصال بشكل عام أي الصحافة والتلفزيون والتكنولوجيات الرقمية على الحياة السياسية على غرار شخصنة السياسة، وانتقاء النخب وتشكيل تفاعلات مخصوصة بين المواطنين والنخب السياسية،  وعرض  أحداث الحياة السياسية بطريقة مشهدية في كثير من الأحيان تتسم  بالمواجهات العنيفة. في المقابل فإن السياق التونسي يتسم بتحول حاسم لم يحصل في السياقات العربية الأخرى يتمثل في استبدال القوة والإكراه على السلطة  بأساليب أخرى للتنافس ومنها خاصة الاتصال بسبب التنظيم الجديد للحياة السياسية التي أصبحت تنافسية والتي لا يمكن فيها لمؤسّسة أن تستأثر بالحياة السياسية. نعم بهذا المعنى يمكن أن نقول أن التجربة الديمقراطية في تونس تعبّر عن تحديث سياسي لا شك فيه، بالنظر كما قلت إلى فقدان السياسية لطابعها السلطوي...

  • تناولت "تلفزيون الترفيه" من زاويته السلبية فقط: هل الإشكال في وجود "تلفزيون الترفيه" أو في عدم وجود تعدّدية  في المضامين الإعلامية؟ 

عندي نوع من الصياغة النظرية لهذه المسألة قبل 2011 فقبل إرساء منظومة التعديل كانت الدولة تسيطر على التلفزيون وعلى المجال العام لم يكن هناك تعديل بالمعنى الديمقراطي للمشهد السمعي البصري الذي لم يكن قائما على الحرية والشفافية والتنوع. بعد 2011 جاء مطلب التعديل وهو ما يعني أن الدولة فقدت السلطة على إدارة المجال السمعي البصري. وفي هذا السّياق تأسست الهايكا لتمنح إجازات للقنوات الإذاعيّة التلفزيونية  الخاصّة  ووضعت كراسات شروط وتعاقب أيضًا بغرامات مالية كل من لا يحتمل كراسات شروط. 

فعليًّا، نلاحظ أنّ منظومة التعديل هي منظومة قاصرة مثلا هناك غياب لمسألة التنوع في المضامين وهيمنة مضامين الترفيه على حساب المضامين الأخرى. ونلاحظ تنميط كبير في المشهد. فالقنوات تتعدد ولكنها لا تتنوع، وحتى التنوع في المستوى الإذاعي مثلًا بوجود الإذاعة الثقافية وإذاعة  الشباب والإذاعات الجهوية  فهو موروث عن  سياسات النظام السابق. يسيطر الترفيه على القنوات التي أحدثت بعد 2011، والتي ليس لها أحيانًا كثيرة، حتى هيئات صحفية ونرى  برامج إخبارية لا تدار من طرف صحفيين. المنطق الذي يحكم الإعلام هو منطق الترفيه والاتصال السياسي، ولهذا كل الأهداف التي وٌضعت للهيئة لم تتحقق في المرسوم 116

 وبمناسبة الحديث عن تلفزيون الترفيه وطغيانه/، أريد أن أعود إلى مسألة  الانتقال السياسي وفشله، أو على الأقل فشل هذا الطور الأول من  الانتقال السياسي / أعتقد أن من مسؤوليتنا كباحثين أن نقوم بهذا الدور في مستوى التحقيق في الانتقال الديمقراطي، واستكشاف أعطابه وأعطاله والديناميكيات التي ساهمت في تخريبه بعيدًا عن المنطق الانتهازي.    

 

 

مقالات ذات صلة