ماذا لو يسقط سائح في «روغارة»؟

حولوا منقالة الحبيب بورقيبة إلى برج ايفيل ولكن، ماذا لو يسقط سائح في «روغارة»؟

لم أنس أبدًا ذلك اليوم، لما كنا بالمدرسة الإعدادية، وطلب منّا أستاذ نادي البيئة تصوير مقطع فيديو يوثق لنشاط النادي محتواه يكون كالتالي: «نجتمع في بهو المدرسة ونتوزع بجمع الفضلات أمام الكاميرا.. » في اليوم الموالي كنا في الموعد وقمنا بالمطلوب، غير أنه بعد انتهاء التصوير، وبحركة لا إرادية، قمت بإعادة الأوساخ التي جمعتها إلى مكانها، فوبخني الأستاذ. وكان ردّي بكل بساطة: «لقد طلبت منا جمع الأوساخ فقط للتصوير فدون أن أشعر وجدت نفسي أعيد الأوساخ الى مكانها. » ما قمت به وأنا طفلة لا يختلف عما قامت به بلديّة تونس في تلميع صورة شارع الحبيب بورقيبة فقط من أجل قمة طوكيو المنتظمة يومي 27 و28 أوت بتونس العاصمة. لكنني كنت آنذاك مدفوعة بسذاجتي، ولكن هل المسؤول والسياسي في تونس بهذه السذّاجة التي تجعله يعتقد في أنّ التسويق بالكذب حلّ لتلميع صورة البلاد في إطار القمة.

ماذا لو أنّ منقالة الحبيب بورقيبة التي بدت كأنها صورة مصغرة عن برج ايفيل، ماذا لو فتحت شهيّة أحد الوافدين على تونس ليقوم في جولة داخل أحياء العاصمة فيتعثر ويسقط في روغارة؟ ألم يفكر المسؤول الذي لا يعطي أهميّة للوطن وإنّما الهوس الكبير المحافظة على المنصب واستثمار الحدث لحملة سياسية مبكرة.

لنفترض أن سائحًا ما قد اندفع وقام بجولة داخل الأحياء وسط العاصمة. كيف ستكون ردّة فعله مع أول حيّ تطأه قدماه؟

  • الاحتمال الأول: لن يكمل جولته لأنّه سيعتقد أنّه أضاع طريقه ودخل إلى مصبّ فضلات، وليس إلى حيّ مجاور لشارع الحبيب بورقيبة وجماليّته المبهر.

  • الاحتمال الثاني: سوف يلتقط صورًا ليبيّن التناقض الكبير بين الظاهر في شارع الثورة والمخفي داخل الأحياء الشعبية.

  • الاحتمال الثالث: قد يسقط في روغارة، فلا غريب أن تفيض حفرة ما في تونس حتى في الصيف، أو سيعضه كلب من الكلاب السّائبة.

لم يخطئ من ابتدع المثل الشعبي التونسي: «من برا الله الله ومن داخل يعلم الله.» لماذا نخدع أنفسنا؟ لم ورغم تطور وتوسّع مجالات وطرق واليات الدعاية السياسية مازال المسؤول التونسي يستسيغ الدعاية بالكذب؟

إنّ المسؤول يرتعب من الصورة أمام الضيف، ولكن لا يولي اهتمام لحاجة المواطن لهواء نظيف وبيئة نظيفة تكفل له حياة كريمة، لأنّه بكل بساطة لا يكترث لاشباع هذه الحاجة لانه ببساطة أكثر لا يحترم المواطن التونسي ابن بلده.

لماذا الإدارة التونسية لا تحترم المواطن؟

لا تحترم الإدارة المواطن بطلب من المواطن في حدّ ذاته. إنّ المواطن يقول للمسؤول لا تحترمني بقبوله وتقبله لعدم وجود حاويات في الحي الذي يسكنه ولرمي الفضلات أمام منزله. ويطلب من المسؤول ألاّ يحترمه حين تنتهك حقوقه في حياة كريمة وبكرامة ولا يعبّر عن الرفض.

سمعت حوارًا بين جارتين. تقول إحداهن للأخرى بلهجة حادة: «أرجوك لا ترمي فضلاتك على الشارع أمام بيتي. » وتواصل: «ارمِ بها في الشارع قبالة بيتك فهذا الجزء من الشارع هو قبالتي، ويحق لي وحدي رمي الفضلات فيه.» فجميع سكّان هذا الحي الذي لن أذكره اسمه لانّه ليس استثناء وتقاس عليه العديد من الأحياء، فجميع سكانه يلقون بالفضلات في الشارع لعدم وجود حاويات إلى أن يأتي عمّال البلدية ليلا وينقلوها الى المصب.

نشرت مواطنة تونسية ليلة ترشح المنتخب الوطني لكرة القدم للكان في قطر، مقطع فيديو من مدينتها وثّقت به حال الناس والسيارات التي كانت ترقص فرحًا وسط كوم وأكداس «الزبلة» الملقاة في الطرق العامّة.

هل سنجد أنفسنا يومًا ما نتمنى عودة لبيب للبيئة حبيب على أن نعيش هذه الحالة من عدم الاهتمام والإهمال للنظافة وللبيئة في تونس؟

متى يحصل التغيير؟

يوم تخرج الثقافة عن الفهم  السطحي المتمثّل في عرض مسرحية أو فيلم و تصبح ترتكز الى سياسة عامة، يومها تلعب دورها في تغيير سلوك الفرد. يوم تصبح الثقافة مشروع كلّ وزارة في تونس ولا تكون له وزارة خاصة، يوم يفهم المسؤول أن الثقافة هوية متغيرة ومتطورة يلزمها شغل دؤوب وسياسة واضحة، وأن الفنون ليست إلا قسمًا ضمنها، وأن الثقافة شاملة وتنموية انطلاقًا من دورها في تغيير السلوك تغييرًا جذريًا. يوم يتكوّن هذا الوعي لدى المسؤول والمواطن لن تصيرعلاقتنا بالوطن محكومة بالغائيّة والمصلحة الخاصة. يومها لن تصير علاقتنا ببيئتنا كعلاقة سائح بصورة يلتقطها لألبومه الخاص.

لقد حولتم شارع الحبيب بوقيبة إلى برج ايفيل، ولكن ماذا لو يسقط سائح في روغارة؟

مقالات ذات صلة