شارع الحبيب بورقيبة: وسط عاصمة أم ساحة سجن؟

في تصريح لصدري بن عزوز رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي في برنامج "أحلى صباح"، أعرب فيه عن شكاوي التجار ومالكي المحلات في شارع الحبيب بورقيبة، حيث سجلت الغرفة العديد من التشكيّات ممن يمارسون الأنشطة المختلفة بالشارع الرئيسي والمناطق المحاذية. فيطالب التجار بعودة الحياة إلى شارع بورقيبة واستئناف الاحتفالات والحركة التجارية داخله، خاصة مع اقتراب الموسم السياحي. فما الذي يحدث هناك؟

إذا مررت من قلب العاصمة، شارع الحبيب بورقيبة، هذه الأيام، يخيّل لك أنّ البلاد تعيش حربًا أهليّة أو، تواجه مشاكل أمنيّة، وحروب عصابات، أو تفجيرات أسبوعيّة كأنّما نعيش في مالي أو فنزويلا. ويتساءل المارّ عن جدوى الدبابات أمام سفارة فرنسا، والحواجز التي تطوّق تمثال ابن خلدون، حتى لم نعد قادرين على قراءة عبارة "الإنسان مدنيّ بطبعه" المكتوبة تحت تمثاله. لربما لا حاجة لنا بقراءة العبارة، فكيف لنا أن نتحدث عن المدنيّة وهذه الكميّة الهائلة من الأسلحة والبوليس تطوّقنا؟

ولا أفترض أنّ هذه محاولة لتحقيق حلم صوفية صادق "بالأمن والأمان يحيا هذا الإنسان"، فهذا المشهد لا يوحي إلاّ بالخطر الداهم، والصورة التي يوحيها لزائري هذا المكان تتلخص في انتشار الفوضى، وانعدام الأمان في تونس 11 سنة بعد اندلاع الثورة. في بلد يتحلّى فيه قطاع السياحة بأولويّة على حياة مواطنيه، كما أثبتت لنا قرارات الحكومة بعد اندلاع أزمة الكورونا، من الغريب ألا نهتمّ بصورتنا أمام العالم حين يتعلّق الأمر بوضع ما يكفي من الحديد في الشارع الرئيسي للعاصمة لبناء عمارة سكنيّة. أصبح الوضع أشبه بالمشي داخل ساحة سجن فيدرالي في إحدى أفلام الإثارة الأمريكية.

ثمّ إنّ المترجّلين من المارّة فعلًا في خطر، فبعد أن استحوذت الحواجز الأمنيّة والدبّابات وسيارات الشرطة على الرصيف، يضطرّ المترجّل إلى السير على المعبّد وفوق سكّة "المترو" ليصل إلى وجهته. هذا الهوس بـ"حماية" قلب العاصمة أدّى إلى التعدّي على حقّ المواطنين في التنقّل بحريّة، ناهيك عن الزيادة المهولة في الازدحام المروري واختناق السير. حتى الطرقات المحيطة بسفارة فرنسا تمّ إغلاقها، مما أدى إلى إغلاق موقف السيارات بجانب "مونوبري"، وزاد في اكتظاظ مواقف السيارات المحاذية. فنتساءل هنا، لماذا كلّ هذا؟

يرجّح العديد من الناشطين في المجتمع المدني أن هذه الكميّة المهولة من الاحتياطات الأمنيّة وُضعت بهدف حماية السفارة الفرنسية ووزارة الداخلية بالأساس، مما يدعو إلى التساؤل: ما الفائدة من وجود هذين المبنيين في قلب العاصمة؟ بينما انتشرت غالبية السفارات بين البحيرة وميتيال فيل وشارع محمّد الخامس، تبقى سفارة المستعمر السابق في شارع الحبيب بورقيبة محاطة بالدبابات، وأعوان الشرطة المسلّحين، والأسلاك الشائكة، متمتّعة بمستوى حماية أشدّ من حبس النساء بمنوبة، فلعلّ في نقل هذه السفارة نجد أحسن حلّ في استرجاع وسط العاصمة. ثمّ إنّ إخراج هذه السفارة من قلب العاصمة سيتميّز برمزيّة ويعزّز من استقلال وسيادة البلاد التونسية.

أمّا وزارة الداخليّة فيعتبر العديد أنّ لا مكان لها في قلب العاصمة بعد انهيار دولة بن علي البوليسية وانتصار الثورة. عوّل نظام بن علي على هذه الوزارة وتموقعها في وسط العاصمة لضمان حكمه وتعزيز استبداده لعدّة عقود، فكانت وسيلة لانتهاض هذا الشعب، والتجسّس عليه وتعذيب معارضي الحكم. أما الآن وقد مرّ أكثر من عقد على نجاح الثورة، وهروب بن علي من تونس، لعلّه من الأحسن أن يتمّ نقل هذه الوزارة بعيدًا عن شارع الحبيب بورقيبة، وإعادة حقّ الشعب في التنقّل بحريّة والتمتّع بالمشي على أرصفة الحبيب بورقيبة دون عرقلة الحواجز، ودون الاضطرار إلى المرور بجانب الأسلحة والدبابات كمن بصدد عبور ساحة حرب.

عندما انتفض التونسيون منذ 11 سنة، كان مطلبهم الرئيسي الحريّة والكرامة. فكيف يمكن أن يتحقّق هذا إذا كان المشهد الحالي في وسط العاصمة لا يعبّر إلا على القمع والذّلّ؟

مقالات ذات صلة