22.04.22

التونسي أمام غلاء الأسعار: العين بصيرة واليد قصيرة

أينما وليت وجهك في تونس تجد حالة استياء عامة تخيّم على المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية، فمع تواصل ارتفاع الأسعار تضررت القدرة الشرائية للتونسي بشكل كبير، وسواء كان الدخل ضعيفاً أو متوسطاً أو مرتفعاً، يشعر الجميع بهذا الغلاء ويكتوون بناره.

في أحد الأسواق بحيّ شعبيّ في تونس العاصمة، قمنا بجولة لنرى إلى أين تتجه عقارب المزاج العام هناك فيما يتعلق بأسعار الخضر والغلال. ويعتبر التذمر من الغلاء المشطّ الشعور المهيمن خلال هذه الفترة، وتتسع رقعته يوماً بعد يوم في مواقع التواصل الاجتماعي.

ويتم التعبير عن هذا التذمر حيناً بأسلوب فيه الكثير من السخط والغضب، وفي أحيان أخرى تصبغ السخرية والتهكم كلام من عبّروا عن استيائهم من غلاء الأسعار مع نفحة مرارة يمكن تمييزها بسهولة. وتعد السخرية عادة دأب عليها التونسيون منذ سنوات عندما يضطرون لمواجهة أحلك الأوقات، وربما هي وصفتهم السحرية للتخفيف من وطأة الأزمات.

1 / 2

قال خالد، وهو شاب ثلاثيني وقف أمام بائع الخضر ينتظر أن يزن له مشترياته، "النقود فقدت قيمتها ولم تعد تكفي تغطية الاحتياجات الأساسية اليومية"، وهو يشير بيده إلى محتوى كيس بلاستيكي صغير به موزتين و3 رؤوس ثوم.

أبدى الجميع استعداداً تلقائياً للمشاركة في النقاش بمجرد أن فتح الحديث حول الأسعار، وكأن الجميع متعطش لإيصال صوته واحتجاجه على أمل أن يلوح في الأفق حل ما يوقف الارتفاع المشطّ والمتواصل لأسعار المنتجات الغذائية وغيرها من المواد الأساسية.

وقالت سميرة، وهي امرأة في الأربعينات من عمرها، بلهجة استنكارية ممزوجة بالتحسّر "بعض أنواع الخضر غير موجودة رغم أننا بلد فلاحي بالأساس". واعتبرت أن نقص بعض المنتجات من الأسواق هو السبب الرئيسي وراء ارتفاع الأسعار.

وتساءلت "لا أعرف إلى أين ستوصلنا هذه الأوضاع" وخرجت من المحل في نوع من شرود الذهن وكأنها تضيف تساؤلاً آخر يكاد يتردد على لسان شريحة واسعة من التونسيين من أصحاب الدخل المحدود "اليوم أنا محظوظة لأني استطعت ملأ قفتي، لكن مستقبلاً هل سيتوفر لي المال اللازم لتأمين كل احتياجات عائلتي؟"

وبالتوازي مع شكوى الزبائن، لا يبدو الباعة بأفضل حال أمام عدم امتلاكهم لأي سلطة تحكّم في ارتفاع الأسعار. وقال محمد، وهو بائع خضر في أواخر الثلاثينات من عمره: "أتفهم استياء المواطنين من غلاء الأسعار ولكن ما بيدي حيلة فأنا نفسي أشتري الخضر والغلال من سوق الجملة بأسعار مرتفعة ومع إضافة هامش ربحي في الحسبان يصبح السعر النهائي المعروض للمواطن مرتفعاً بدوره".

 وبرر محمد ارتفاع الأسعار بنقص المعدات والأسمدة والأدوية الضرورية في الزراعة أو بارتفاع أسعارها إذا ما توفرت وهو ما يجعل عملية الإنتاج مكلفة جداً، وبالتالي غلاء المنتجات الفلاحية عند عرضها في الأسواق.

ولم يعد غلاء الأسعار مجرد موجة عابرة في تونس، بل تعيش البلاد في هذا الوضع منذ سنوات بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية (الدينار). لكن أزمة الغلاء تفاقمت بشكل لافت في الأشهر الأخيرة،  تأثراً بارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغزو الروسي لأوكرانيا.

وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي زيادة جديدة، هي الثالثة خلال هذا العام، في سعر الوقود تقدر بـ5 بالمائة. ويأتي هذا القرار في إطار مساعي التخفيف من وطأة عجز ميزانية، وتنفيذاً لإجراء التعديل الآلي في أسعار المحروقات الذي أقرته تونس منذ سنوات.

وقال عمار ضية رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، في تصريح لموقع الواو تونس: "إنه من المتوقع أن ترتفع الأسعار مع الزيادات التي تم الإعلان عنها في أسعار المحروقات". كما أكد أن وزارة التجارة طمأنت المنظمة بأنه لن يتم إلغاء الدعم عن المواد الأساسية، وأن الدولة ستواصل تغطيتها لتكلفة المنتجات والمواد المدعمة. وأشار إلى أن الممارسات السلبية من قبيل المضاربة والاحتكار هي التي تتسبب في غلاء الأسعار أو في نقص بعض المنتجات من الأسواق.

وتزيد سلوكيات التجار السلبية كالامتناع عن البيع أو البيع المشروط من معاناة التونسيين. وقالت منيرة، وهي امرأة على مشارف الخمسين من العمر تساعد أخاها محمد في محل بيع الخضر: "تاجر المواد الغذائية في الحي الذي أسكنه اشترط علي شراء بعض المواد الإضافية والتي لا أحتاجها عندما طلبت منه بيعي زيتاً مدعماً".

وتقوم فرق المراقبة الاقتصادية بنشاط يومي من أجل التصدي للممارسات السلبية والحد من التجاوزات. وأعلنت وزارة التجارة أن خلال النصف الأول من شهر رمضان شارك 2417 فريقاً في حملات المراقبة، وتم تحرير 8795 مخالفة اقتصادية.

وتقدر نسبة المخالفات في الأسعار والاحتكار بـ33 بالمائة، أما المخالفات المتعلقة بشفافية المعاملات التجارية فكانت بنسبة 47 بالمائة، فيما تم تسجيل نسبة 2 بالمائة في الإخلال بتراتيب الدعم.

وتصدّرت قطاعات المنتجات الفلاحية والبحرية الطازجة هذه التجاوزات بنسبة 53 بالمائة، تليها المواد الغذائية العامة بنسبة 33 بالمائة.

ويؤكد ضية أن التصدي لهذه السلوكيات غير القانونية هو الحل الوحيد للحد من ارتفاع الأسعار، لكن عودتها إلى مستوياتها العادية مشروط أيضاً بالأوضاع العالمية خاصة ارتفاع أسعار النفط العالمي.

ومنذ أسبوع، أعلنت الحكومة التونسية عن قرار جديد يمنع تصدير الخضر والغلال، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والسيطرة على ارتفاع الأسعار.

والشهر الماضي أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوما رئاسيا يجرم الاحتكار ويقر عقوبات زجرية سالبة للحرية وخطايا مالية على من يرتكبون هذه المخالفة.

وأشاد ضية بهذه القرارات والإجراءات معتبراً أنها ستساهم في السيطرة على الأوضاع فيما يتعلق بارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن ما تشهده أسواق البلاد من غلاء لا يتناسق مع الإمكانيات المادية للتونسي الذي تضررت مقدرته الشرائية بشكل كبير.

تونس.. ارتفاع أسعار المواد الغذائية وشح بعضها يعكران صفو الطقوس الرمضانية

مقالات ذات صلة