الطبقية تغزو مسابح النزل

مقدمة:

يُسارِع عددًا لا بأس بِهِ مِن أصحابِ النزل والمسابح الخاصَّةِ فِي بِدايةِ الموسِم الصَّيفِي السِّياحِي على وضعِ إشارات وملصقات بِالقُربِ مِن أماكِنِ السِّباحة وعلى المنشئات السياحية إعلَان مِنهُم عَن رفضهم تواجد البوركيني الذِي تُكتسى بهِ النِّساء المُحجَّبات قبل النُّزُول لِلسِّباحة! 

 تُخبِرنِي «زهْرة» ذَات [ال30 ربِيعًا] أَصِيلة ولايَة صفاقِس بِشكل ساخِر أنَّها تفكّر في بِناءِ مَسبح خاصٌّ لها هِي وصديقتها اللَّواتِي يرتدين البوركيني أَثْناء السباحة لكي يشعرن بِالرَّاحة والأَمان، وتُشِير لِي بِأنْ أفْعال أَصحاب النزل السياحية فِي تونس التِي تمنع المحجبات من السباحة بالبوركيني الْأَنِيق الَّذي هو في الأساس قطعة من القماش يُغطي جسد المرأة المحجبة، ويظْهر فقط أَطْراف الأيادي وَيبرُز تفاصيل الوجه وترتديه بعض المُسْلِمات، فهذِهِ هي حُريتها التي كفْلها لها القانون والدين الإِسلامِيّ. أَصحابُ تِلك النزل تصرفاتِهِم وصفتها بغير المسؤولة وغير الآدميَّة في عُرفِ الإنسانية. وهذا ما أكده رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول منشورات وفيديوهات تظهر فيها نساء محجبات تم مَنعهُنَّ من السباحة في مسابح تلك النزل التي من المفترض أنها "نزل سياحية" تُستقْبل السُّياح بغض النظر عن المُعْتقِد الذي يعْتنِقه بِحُجة قَواعِد النظافة العامَّة. 


أصحاب النزل في أزمة مع لباس البوركيني:

 تقُول «مرام» البالغة مِن العمر [29 ربِيعًا] أنًها تواصلت مع أحدٍ النزل السياحية خِلال الشهر الماضِي عبر البريد والهاتف لحجز غرفة فِي نَزل يقصِدُه السُيَّاح المرمُوقِين فِي سُوسة لِمدَّة أربع أَيَّام تبدأُ، مِنْ 11 جوان لِلتمتُّع بأشعة الشَّمس بالقربِ مِن المسبّح وصوت المُوسيقِيّ يملَأ الْمكان. غير أنها تفاجأت عِندما وصَلت إليّ المسبّح. ما راعها إلَّا وحرس المسبّح برفقة مُنقِذ السباحة يمنعونها مِن السِّباحة وهِي بالبوركيني فِي مسبِّح النزل، تطبيقا مِنهُم بما يعرفُ بِقَواعِد المسبّح العامة. «مرام» بعد أَنْ استحمَّت للاستعداد وَالنّزُول إلى المسبِّح، لِتَذهب مباشرة وتشتكي وَضَعَهَا إلَى صاحِب النزل الذِي أَجابها مُتهكِّمًا بِأَنَّ قواعِد النزل تفضُل البكيني على البوركيني.

 «مرام» أصِيلة وِلاية سُوسة السياحية بعد أن دفعْت تكالِيف ثمَن الغُرفة والمسبح تشعِر بالتَّميِيز والعُنصُرِيَّة وتنفى مزاعم أصحاب النزل بأن السيدات اللَّواتِي يرتدين البوركيني لا يلتزمن بقواعِد النَّظافة العامةِ ولا يجبً على أصحابِ النزل التَّصرُّف بِهذِه العشوائية. وتجزم بأن حُرية المُعتقِد حق مكفُول في الدُّستُور التُّونُسِيّ ومجلة الأحوالِ الشَّخصِيَّةِ، وهذِهِ التَّصرُّفاتُ تمسّ بِكرامة المرأَة الْمُحجَّبة المُسْلِمة الإنسانة. وهذا سُلوك مُتَخلِّفٌ وغير حضارِي.

قواعد النظافة ـ عذر أقبح من ذنب: 

 نوعية القُمَاش لا تُنَاسِبُ قواعِد النَّظَافة: هذِهِ الجُملة المُعتقَة الَّتِي ردًّا بِها أَصحاب النزل السياحية من خِلال تصريحات إِذاعِيَّةٌ وتلفونية، «ولكِن الْمُرِيب فِي الطَّرْح هُو نوع القُماشُ الَّذِي يُخاط مِنه البوركيني هُو ذَاتُ النَّوعِ الَّذِي يُخاط مِنه البيكي بِحسَب مواقِع مُتخصِّصَةٌ وخبراء فِي التسويق وصِناعَة ملَابِسٌ السِّباحة!»

بالفيديو / التونسية 🇹🇳 التي تم منعها من السباحة :"أنا اليوم نعوم...

فما هي القَواعِدِ الَّتِي اخترقتها مرتديات البوركيني؟ 

الإحرَاج والصدمة والظُّلم والْغضب رُباعِيَّة لازمت الشَّابّة التُّونِسيَّة «مريم» خِلال عاميْن ماضيين، بعد أنْ مُنِعت مِنْ نُزُولِ المسبّح الخاصّ بِأَحد تِلْك النزل السياحية فِي تونس، لِتعُود مُجددًا وتَظهر فِي فِيديو وهِي ترتدي البوركيني فِي أَحدِ مسابح النزل فِي بالِي أحدي مقاطعات إِندونِيسيا السَّاحِرة، «مريم» تعبر بِقولِها: ”اليوم أنا نعوم على راحتي.. أما في بلاد الناس موش في بلادي.. وهاكم تشوفو حوايجي ماهمش مسخين كيما يحكيو”

حالة «مريم» ليسَت الوحيدة والنَّادرة ففي كل يومٍ تُمنع المُحجَّبات مِن دُخولِ سُوق العملَ بِسببِ الحِجابُ وليس بِسببٍ السِّيرة المهنية وتُمنعُ مِن الصالات الرِّياضِيَّة والمطاعِم والمقاهي والحَانات الَّتِي تنتهج الطبقية والبرجوازية أُسوَةٌ بفرنسا الَّتِي تُحاوِل محوهنّ مِن الْفضاءِ الْعامّ بِشكل علَنِي على طَرِيقةِ العُنصُرِيَّة العلمانية الَّتِي لَا تخلُو مِن التَّميِيزِ والاسلاموفوبيا. وهذا انتِهاكًا صارخ لِحُقُوق الْإنسان والحُرّيَّات الأساسِيَّة وحُرِّيَّة المُعتقِد المنْصُوصِ علَيهَا فِي الْإِعلَانِ العالمِيّ لِحقوق الْإِنسَان ولِمَبدأ المُسَاواة الَّذِي تفوقت بِه الخَضراء تونس على مدى عُقُود. 

الحريات الخاصة في خطر: 

فِي واقِعِ الْأَمر البوركيني عَاد إليّ السَّطح بعد تِلك الْمُمارسات الَّتِي يراها نشطاء فِي المُجتمعِ التُّونُسيّ مُعاملة النزل العُنصُرِيَّة الَّتِي تخترِق مجلَّة الأحوالِ الشَّخصِيَّةِ الَّتِي أعطت لِلمرأَة التُّونِسِيَّة مكانه هامَّة فِي المُجْتمعِ المغاربي والْعربِيّ. وتحتوي بعض النزل لوْحات علنيَّة تَمنع المُحجَّبات مِن النُّزُولِ إلَيّ مسابح تِلك النزل حَيث مُؤخَّرًا. يقُول نشطاء تونسيون/ات أَنَّ هذا المنع فِيهِ مسّ بِالحُرِّيَّة الخاصَّة للمواطنين والسياح الْأجانِب المُسلِمِين، أَضافهُ إلى أَن فِيهِ تمييزاً يمارس مع مواطنات تونسيات لهُن الْحقِّ فِي التَّمتُّعِ بالمسابح أُسوةٌ بِبقِيَّة النِّساء. وَتبقَى المقاطعة ونشْرٌ قوائِم أسماءُ تِلك النزل الطبقية لتجنبها هُو الحِلُّ المُؤَقَّت وإِنشَاء محضَر عِند عُدُولٌ التَّنفِيذ للمحاسبة أَن تطْلُبَ الْأَمر. وعدم تكريس الوَقت للعنصرية وَالتَّمْيِيز ضِدّ الْمُحجَّبات على خلفِيَّة معتقداتهن الَّتِي يجِبُ علينَا احتِرامُها بِدُون مُساومةً أَو المِسَاس بِها عن طرِيقِ قواعِد رجعِيَّة وعنصرية. 

 عِندما ترتفِع درجَةُ الحرارةِ خِلال ذُروة الصَّيف لن تنفَعك صدِيقِه أَو رفيق وإِن عمِلت مُكيِّفات الهواءِ أَو المِروحَة ستكونين حتمًا مِن المحظوظات القلَائِل خِلال موجَات الحرّ المُرتفِعة، لِيذهب الخاطِر بكَى مُباشرة إلَيَّ ذلِك المكانِ الأزْرَق الكَبِير "البحر" لِلِاستِمْتاع بأشعة الشَّمس وأَصْوات الأَمواج وهِي تَعبث مع رِمال الشَّاطِئ. ويأتِي هذا دائِمًا خِلال أَيَّام نِهايةِ الأُسبُوعِ السَّعِيدة وفِي العطلات الرَّسمِيَّة الْجمِيلَة. ولكِن يبدُو أَنَّ مُدِير حِفظ صِحَّة الْوسَط وحِمايَة المُحِيط بوزارة الصحّة التُّونِسيَّة، «سمير الورغمّي» لهُ رأْيٌ آخر فِيما يَخُصُّ بعض الشَّواطِئ الحيوية فِي تونس الَّتِي يبلُغ عددِهَا [21 شاطِئ] وضعتُ عليها لوحَة "غير قابِل للسباحة" بِسَبب التَّلوُّث والتَّغيِير المناخي فِي [مأيٌّ 2022].

 بِهَذا أصبحت العدِيدِ مِن الشَّواطِئ الملوثة خطر داهم على صِحَّةِ أَجسَاد مرتاديها، وحلّ مُؤقَّتٌ لعديد المُواطِنِين ليلجؤوا إليّ مسابح النزل لِلتَّمتُّع بِالسِّباحة. أَتسأَل بِشكل برِئ: هل للنزل قابِلِيَّةٌ لِاستِيعَاب إعْدَاد مِن البوركيني؟ أَم أَنَّها تَفضُل السائحين الْأَجَانِب بالبكيني لِأَنَّهُم يُحافِظُونَ علَى قَواعِدِ النَّظافة ولَا يزعجون أَحَدٌ فُصُول الطبقية المقيتة؟

مقالات ذات صلة