منوعات
01.06.22

البكالوريا في تونس: طموحات وأمل أو مخاوف وضغط؟

"الي دفعته على دروس خصوصية، لو كان شريت بيه جهاز ولقيت راجل نعرس بيه خير"

كانت هذه كلمات تلميذة من الأوائل في دفعتها تدرس سنة رابعة آداب في إحدى معاهد ولاية بن عروس. هذه الإجابة عن سؤالي حول استعداداتها لامتحانات البكالوريا. هي طبعًا مزحة اعتدنا سماعها في السنوات الفارطة وقراءتها على مواقع التواصل الاجتماعي التونسية، حيث يعبر التلاميذ عن رغبتهم في الانسحاب من المعاهد وإيجاد طموحات بديلة، بسبب كمية الضغط المهولة التي يعيشونها وانتظارات، أو بالأحرى هوس، والديّ كل منهم بنتائج الامتحانات.

وبالفعل تنال امتحانات البكالوريا، أو بالأحرى نتائج امتحانات البكالوريا، مكانة مهمة في المجتمع التونسي. ولكن بين أفراد العائلة الموسعة الذين لا ينفكون يسألون عن "أخبار المراجعة" كطريقة تهديد، أو حث على بذل مجهود أكبر، غير مهتمين فعلًا بالإجابة، وبين من يعدون التلاميذ بأغلى الهدايا في حال نجاحهم، وأشد العقاب في حال "فشلهم" غير مكترثين بالصحة النفسية لهؤلاء المراهقين، أو بكمية الضغط الذي يمارس عليهم من شتى الجهات.

يجد تلميذ السنة الرابعة ثانوي نفسه معزولًا، منكبًّا على دراسته، في حالة قلق متواصل، دون قدرة على التعبير عن مشاعره. لهذا قررنا في الواو تونس أن نسأل بعض تلاميذ معاهد الضاحية الجنوبية للعاصمة عن استعداداتهم وتوقعاتهم حول النتيجة، بالإضافة لاستراتيجيات المراجعة التي يقومون باعتمادها.

"الفقير لا ينجح لا يفرح في البلاد هاذي"

هكذا عبّر أحد التلاميذ عن سخطه تجاه نظام تعليمي يستوجب دروسًا خصوصية لفهم ما يدرّس في القسم، إذ أن برنامج معظم المواد الرئيسية أطول مما يخوّل عدد الساعات الأسبوعية من تعلمّه، وإيجاد وقت للتمارين والتفسير المعمّق. يجد معظم الأساتذة أنفسهم مضطرين للإسراع لإنهاء البرنامج، فيلجأ معظم التلاميذ إلى الدروس الخصوصية لضمان فرصة أفضل في النجاح. أما من لا يملكون المال فلهم الله…أو دروس "اليوتيوب" لمن استطاع إليها سبيلًا.

"اليوتيوب والانترنت هوما الكل"

هكذا أنهت تلميذة السنة رابعة علوم الإعلامية خطابها المفصّل إجابةً على سؤالي حول الاستراتيجيات التي تعتمدها في المراجعة. في عصرنا هذا يمكن لأي كان تعلّم أساسيات علم البرمجيات، على سبيل المثال، وتنمية مهاراتهم في هذا المجال مجانًا. ثمّة مئات المواقع الإلكترونية الثرية بالمعلومات والتمارين للتمرّس والإتقان في جميع المجالات. ثمّ إنّ بعض قنوات اليوتيوب تمنح أحسن الاستراتيجيات للتعلّم والنجاح في الامتحانات من أشخاص سبق أن أثبتوا قدراتهم ونجاحاتهم. لعل أبرز الأمثلة قناة "Ali Abdaal" الذي كان الأوّل على الدفعة عند تخرجه من جامعة كامبريدج الشهيرة، ويتحدث في عدد من فيديوهاته عن الطرق التي اتبعها للنجاح بهذا الشكل المبهر. ولكن رغم توفّر هذا الكم المهم من المعلومات للجميع، لا يجد عدد مهم من التلاميذ مفرًا من اليأس في الأسابيع القليلة التي تسبق الامتحانات.

Who is Ali Abdaal? | Channel Trailer

"البكالوريا عامين: عام تقرا فيه وعام تنجح فيه"

شدّت هذه المزحة انتباهي لتواترها حتى على ألسنة تلاميذ نالوا نتائج جيدة في السداسية الفارطة. تعبّر هذه المزحة عن حالة الهلع التي يعيشها عدد من التلاميذ، إذ ينهال عليهم النظام التعليمي بكمية مهولة من المعلومات تكافح عقولهم اليانعة لاستيعابها وحفظها في فترة مراجعة قصيرة وغير كافية حسب عدد منهم.

وحاولت إحدى التلميذات أن تفسّر لي الغاية من هذه المزحة مؤكدة أنّ سنة واحدة لا تكفي لاستيعاب كل هذه المواد، وأن النجاح في البكالوريا يعتمد على الحظ، فمعظم التلاميذ يركزون في حفظهم ومراجعتهم على بعض الأجزاء ويغامرون بإهمال البعض الآخر. فإن حالفك الحظ في الامتحان وتناولت الأسئلة ما درست نجحت، وإن لم يحالفك الحظ، فإما حظًا موفقًا في دورة التدارك، وإما ستجد متسعًا من الوقت للتعمق أكثر في الأجزاء التي أهملتها وأنت تعيد السنة الرابعة ثانوي.

لعلّه آن الأوان لكي تقوم الدولة بإصلاح هيكليّ لنظام التعليم، وخاصة لطريقة تنظيم امتحان البكالوريا. نحتاج لخلق نظام يسعى لحث التلاميذ على التعلّم والتفكير لنحظى بأجيال واعية تنهض بالبلاد، وليس نظامًا لقياس قدرتهم على حفظ أكبر كمية ممكنة من المعلومات في فترة قصيرة. ولكن أيضًا لعلّه آن الأوان لكي ينكفّ مجتمعنا عن تقديس هذا الامتحان، والتسبب في انهيارات نفسية لمئات الشباب سنويًا من الضغط والمخاوف.

فمن المفترض أن يكون هذا الامتحان نقطة عبور نحو المستقبل، الذي يطمحون لأجله أملًا في بناء حياة ناجحة في المجال الذي يشاؤون الدراسة فيه، وليس تذكرة مكلفة لعيادة الطبيب النفساني…في مجتمع لا يرحم من يتجرأ على طلب المعالجة النفسية.

مقالات ذات صلة