العنصرية في تعامل تونس مع الأجانب

شتّان بين المهاجر و"الإكسباط": العنصرية في تعامل تونس مع الأجانب 

لعل من المضحكات المبكيات أنه بينما يحتجّ معظم الشباب التونسي ضمن أحاديث المقاهي على صعوبة الحصول على تأشيرة (أو ما يعرف بـ"الفيزا") للبلدان الأوروبية، وقدرتهم المحدودة على التنقّل بسبب جواز سفرهم "الأخضر"، والممارسات المهينة التي يتعرض لها التونسيون في الحدود الأوروبية، يعاني المهاجرون الذين قدموا للعيش في تونس إما اختياراً أو اضطراراً من نفس أشكال التمييز.

 

طبعاً عندما أستعمل كلمة "مهاجر" تتراءى لنا صورة بشرة سمراء أو سوداء وأصول من العالم الثالث وشتّى مظاهر الفقر والعوز. لسبب ما، في 2021، بعد 65 سنة من اندثار الاستعمار، نقوم في تونس باعتماد كلمة مهاجر لوصم القادمين من بلدان الجنوب، إن كانوا قادمين من قارتنا الإفريقية أو من القارّة الآسيوية أو حتى من أمريكا الجنوبية. أما من كانت بشرتهم "بيضاء" وكانوا حاملين لجوازات سفر حمراء فيدخلون البلاد معززين مكرمين دون حاجة إلى تأشيرة، أو خوف من مواجهة أيّ تمييز في مطار تونس قرطاج، أو غيره من المطارات التونسية.

ومن أوجه الغرابة أنّ على المهاجر القادم من "دولة فقيرة" أن يدفع 426 دينار ثمن تأشيرة تسمح له بالدخول مرة واحدة إلى تونس والبقاء 3 أشهر، أو 845 دينار لنفس التأشيرة إن أراد الدخول عدة مرات.

كما يجدر بالذكر أنّ ثمن طلب تأشيرة الدخول للاتحاد الأوروبي لمدة قصيرة أو ما يعرف بـ تأشيرة شنغن يعادل 260 دينار، مما يعني أن الدخول إلى بلدان العالم المتقدم أصبح أرخص من الدخول إلى تونس. كان هذا نتيجة قرار وزارة الخارجية في ماي 2020 برفع ثمن التأشيرة بحجم مهول، وتغيير سياسة التأشيرات لعدد من البلدان في محاولة للتخفيض من عدد الداخلين إلى تراب البلاد التونسية في زمن انتشار فيروس الكورونا. طبعاً لأنّ العقول الراقية لأصحاب القرار في تونس أوحت لهم بأن الوباء لا ينتشر إلاّ في صفوف القادمين من العالم الثالث. أمّا القادمون من "الدول الغنية" فلا حاجة لهم بدفع أيّ شيء، فيمكنهم القدوم والخروج كما شاءوا كأنّ لا وجود للحدود بالنسبة لهم أصلاً.

 

وبينما لا يمثّل المطار والطائرة إلا بوّابة ووسيلة نقل للإكسباط القادمين إلى تونس، يبقى هذان الاثنان مصدر كوابيس للمهاجرين القادمين من بلدان الجنوب. فبينما يتساءل الأوّل إن كان سيعجب بالشقة التي قام بشرائها مسبقاً بأرقام خيالية في المرسى أو البحيرة أو سيدي بو سعيد، مساهماً بذلك في ارتفاع مهول في أسعار الشراء في المنطقة في السنوات الأخيرة، حتى لم تعد العائلات التونسية متوسطة الدخل في المنطقة قادرة على دفع سعر الشراء، تختلف تساؤلات المهاجر: هل سيتعرّض للإهانة بسبب جنسيّته؟ هل ستسمح له شرطة الحدود بالدخول إلى البلاد؟ هل سيتمكن من الحصول على بطاقة إقامة لاحقاً من النظام البيروقراطي التونسي سيء السمعة؟ وإن اضطر إلى الخروج من البلاد عند انتهاء التأشيرة، كم ستكون مدة الانتظار حتى يتمكن من الحصول على تأشيرة أخرى؟

من المؤسف أن تكون كلّ الأغلال التي تقيّد حرية التنقّل وكل الإهانات والخوف الذي نواجهه في المطارات فقط لأنّنا ولدنا على "الرقعة الجغرافيّة الخطأ"، ومن المؤسف أن تكون إحدى حريّاتنا الأساسية موضوع نقاش سياسي، وأن نعامل كـأنصاف بشر في مطارات البلدان المتقدّمة، ولكنّ الأشدّ أسفاً هو أن تمارس دولتنا التمييز والعنصرية ضدّ أشقّائنا من بلدان الجنوب في حين يتنقّل القادمون مما يسمونه العالم المتقدّم في كنف الحريّة والكرامة. 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة