منوعات
04.01.23

حتى لا يتكرّر سيناريو مهذب الرميلي وتلميذته نور

ما لم يقل في "أزمة" العلاقة بين الأستاذ والتلميذ...!

نحن الذين ربينا على الجملة الشهيرة:"كاد المعلم أن يكون رسولWا."، لن نقبل على أيّ حال التطاول على المعلم والأستاذ -وهم الذين ربوا على "التيك توك" و"السناب" و"الانستا" و"الفايس"- يخبرهم أنّهم نجوم منذ نعومة أظفارهم وأنه لا فرق بينهم وبين من يفوقهم عمرًا أو تجربة، وأنّ حق التعبير الحر لا يراعي لا التراتبية الفكرية ولا العمرية، قد يستغربون ردّة فعلنا. هذا التصدع والشرخ بين جيل عايش التطور الرقمي في شبابه وجيل فتح بصيرته وفهم العالم من خلال هذه التحولات الرقمية، نراه اليوم مترجمًا في الأخلاق التواصلية داخل المؤسسة التربوية بين الأستاذ والتلميذ.

كيف إذن نسدّ الشرخ حتى نبني مؤسسة تربوية متوازنة قادرة على أداء دورها في تنشئة الجيل وليس في تعميق هذا الشرخ؟

تفرّغت المنابر الإعلامية في الآونة الأخيرة لقضية الأستاذ مهذب الرميلي والتلميذة نور، لن نعود الآن على التفاصيل لأنّها معلومة من الجميع. ولن نعود على المؤيدين لقرار طرد التلميذة من المعهد أو الرافضين له ،ولكن نعتقد أنّ السؤال المهم أو الأهم الذي يجب طرحه أو هي في الحقيقة مجموعة من الأسئلة:

كيف أصبحت العلاقة بين التلميذ والأستاذ على هذه الشاكلة؟ من أين تستمد التلميذة كل هذه الجرأة في التعدي على من علمها حرفًا؟ هل هي اشكال مؤسسة تربوية عمومية لم تتطور لتستوعب جيلا بأكمله مختلف عن الأجيال السابقة؟ أم هو خلل أخلاقي يبدأ من داخل الأسرة ويمتد الى المؤسسة التربوية المكان الذي ينفجر فيه التلميذ بكل مخلفات تربيته ؟ أم هو الأستاذ الذي لا يتقن لغة الجيل الجديد؟ أم القوانين التي لم تتغير ولم تواكب التطورات الحاصلة في المجتمع؟ أما هي بيئة أسرية وتربوية بأكملها تحتاج المراجعة؟ أم هي مسؤولية جزء من الإعلام الذي تدفعه الاثارة في كل مرة إلى صناعة بطولات وهمية لمراهقين ومراهقات؟

نعتقد أنّه آن الآوان للتباحث في كلّ هذه الأسئلة. والإجابة عنها دون تحيز لأي طرف وبتشريك مختلف الأطراف.

في السنة الفارطة عنف تلميذ  أستاذه ولم تكن الأولى أو الأخيرة. والعنف متواصل سواء لفظيًا أو جسديًا. و الغريب أنّ هذه الظواهر متكرّرة تحتاج تدخلا سريعًا وحاسمًا ولكن في كلّ مرة نتوقف عند سطح القضية ولا نتعمّق في طرح جذورها.

لننطلق من تحديد هوية التلميذ والأستاذ لنحدد فيما بعد أخلاقيات التواصل بين هذا الثنائي.

من هو التلميذ؟

التلميذ هو مواطن ينتمي إراديا إلى أحد المؤسّسات التربوية من أجل تحصيل مجموعة من المعارف. يحمل معه "أخلاق" أسرته ومطالب بالخضوع إلى "أخلاق" المجموعة في إطار انتماءه أو تشاركه معهم داخل إطار مؤسسي يخضع بدوره إلى أخلاقيات ممارسة مهنة التربية والتعليم. إذن التلميذ ينتقل الى المؤسسة التربية حاملًا معه أخلاقه المكتسبة من العائلة، ويكون مطالبًا بالاندماج من خلال إحترام أخلاقيات المؤسسة.

من هو الأستاذ؟

الأستاذ هو مواطن ينتمي إلى أحد المؤسسات التربوية من أجل تمكين التلامذة من المعارف التي يودون تحصيلها. يحمل معه أخلاق بيئته الأولى وينخرط ضمن أخلاقيات ممارسة المهنة من خلال مجموعة من القوانين التي تحدد علاقته مع التلميذ. ما نلاحظه في التعريفين أنّنا أمام شخصيتين مختلفين من حيث أولا أخلاق البيئة الأولى ومن حيث خصوصية كل الجيل ونقطة الإلتقاء بينهما تحصيل المعرفة بين باث ومتلقي وأيضا أخلاقيات المهنة.

في هذا السياق مارس الأستاذ مهذب الرميلي حقه كأستاذ في إحالتها على مجلس التأديب التزاما ومسؤولية منه تجاه الأخلاقيات المنظمة لعمله بينما أن التلميذة تمرّدت على هذه الأخلاقيات ولم تعرها اهتمامًا. لكن هل الإشكال في تعبير نور عن موقفها، أو في الأخلاقيات المنظمة لعمل القطاع والتي تترجم من خلال القوانين التي فرضت طرد نور من المعهد؟

لنتفق من البداية وإسكاتا لكلّ لغط أنّ لا مبرر للتطاول أخلاقيًا على الأستاذ. ولكن هل كان الأمر يفترض طردًا من المعهد؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال، نحن ملزمين بالاجابة عن سؤال أول وأساس:
هل يستوعب النظام التعليمي الحالي طبيعة وخصوصية جيل نشأ داخل منظومة رقميّة؟ وقبل ذلك هل أن العائلة اليوم قادرة على حماية وتحصين أبناء من لخبطة أخلاقية يسقطون في فخها بفعل التكنولوجيات الحديثة؟

إشكال العلاقة المأزومة بين الأستاذ والتلميذ بصفة عامة لا ينحصر داخل المؤسسة التربوية، وإنما تعود جذور هذا الإشكال إلى نشأة التلميذ داخل أسرته. أغلبية العائلات اليوم تعوّل على رياض الأطفال والحضانة لتربية أطفالهم. فينشأ الطفل داخل بيئة مختلطة لا يمكن السيطرة أو التحكم في عملية بناء عقل الطفل، فهو يحتك بأطفال آخرين وبعبارة أكثر وضوحًا مع مجموعة من الثقافات الأخرى ويجد نفسه غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ في إطار التقليد والتماهي مع سلوكيات أصدقائه. فيكفي أن يكون طفل واحد غير متوازن حتى تسري العدوى مع بقية الأطفال. والإشكال أن بعض العائلات لا تبذل مجهودا في حماية أطفالها ولو بتخصيص بعض الوقت لهم لأنها تكتفي بما يتلقونه من الرياض أو الحضانة. الأطفال الذين ينشأون داخل هذه النوعية من الأسر، يكبرون وتكبر معهم معاناة كبيرة نسميها الفراغ العاطفي الذي يتحول أو ينعكس مستقبلًا في ردود أفعال عنيفة أو العكس الرغبة في ابراز الذات بأي طريقة، وهذه يتفق حولها المختصين في علم النفس والذين يتفقون على أن الخلل وعدم التوازن ينعكس في سن المراهقة في رغبة جامحة إلى إبراز الذات وهنا تصبح الغاية مبرر للوسيلة.

الفراغ العاطفي والرقمنة؟

في السابق كان الأطفال في سن المراهقة يعبرون عن هذا الفراغ العاطفي والرغبة في ابراز الذات من خلال إما سلوكات منحرفة أو الخيار الثاني المشاركة في أنشطة فنية وثقافية وسابقا كانت طبيعة التعليم وقدسية مساء الجمعة في ممارسة الثقافة والفنون تسمح للطفل بامتصاص الفراغ وملأه بأنشطة يمارس من خلال التصعيد النفسي. أما اليوم في عصر الرقمنة ومواقع التواصل الاجتماعي والتيكتوك أوّل بدأ الطفل يخسر مرحلة عمرية مهمة وهي مرحلة طفولته حيث يتشبه بالكبار ليعبّر ذاته ووجد ملاذه في المنصات الرقمية التي تسمح له بالانتشار سريعًا واختراق كل المسافات والمساحات ليمنح لنفسه ودون شروط أو قيود صفة معينة. في السابق كانت الخلافات بين التلميذ والأستاذ لا تتعدى الفضاء الخاص القسم أو الاسرة التي كانت تدعم الاستاذ في تربية وتوجيه أبناءهم، لكن اليوم الخلافات صارت تدار في الفضاء العام مع تخلي الأسرة عن دورها في دعم ومؤازرة الاستاذ الذي يبذل كل جهوده من أجل الارتقاء بفلذة كبدهم من مستوى إلى آخر.

ما هو دور المؤسسة التربوية؟

أمام هذا التطور الهائل والحاصل بفعل الرقمنة  ومواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية التي باتت تحتل جزءًا كبيرًا من وقت التلميذ وتجهده في ممارسات مبتذلة وسطحية، ولا يستطيع بالتالي التفرغ للتعليم أمام كل هذا التطور نجد مؤسسة تربوية ما زالت تسيرها أنظمة نمطية تقليدية وتفتقر إلى خطة لإنقاذ، وانتشال التلامذة من هوس التكنولوجيات الحديثة وتوجيه استغلال هذه التكنولوجيا في التعلم منها، وليس في تخريب جيل بأكمله أخلاقيًا وفكريًا. نعتقد أن وزارة التربية مدعوة الى وضع خطة واستراتيجيًا لإنقاذ الاطفال من عنف يكتسبونه رويدًا رويدًا من التكنولوجيات الحديثة تحت مسمى الحق في التعبير عن الرأي.

وفي هذا السياق نعود الى ما قبل عشرين سنة حين دعا وحرص ومازال إلى اليوم يحرص معهد الصحافة وعلوم الأخبار على الدعوةإالى ضرورة التربية على وسائل الإعلام، ووضع مادة في برمجة وزارة التربية. فمن الوظائف الأساسية لهذا الاختصاص أنه ينتشل الطفل من اللخطبة سواء في خصوصية عمره وتشبهه بالكبار، أو اللخبطة في علاقته بأساتذته وفي أخلاقه وأخلاقياته من خلال انسياقه خلف وهم الشهرة وإبراز الذات بأية طريقة.

دور وسائل الإعلام في التأثير على الشباب

من الضروري اليوم أن يطرح علاقة الأستاذ والتلميذ خارج طار الشخصنة كما حصل مع الاستاذ مهذب الرميلي الذي تمت شيطنة دفاعه عن أخلاقيات المهنة وعن احترام الأستاذ وتبجيله، وأيضًا كما حصل مع التلميذة نور التي أخطأت واندفعت، ولكن التعاطي معها بالقوانين المجحفة رغم تسامح الاستاذ واعتذارها  زاد من تعميق الشرخ لا سدّه.

لهذا اليوم من الضروري البحث عن حلول جذرية بالتفكير الاستراتيجي، وليس بالتفكير السطحي لجزء من إعلام الإثارة وإلا قريبًا سيكون هناك مهذب جديد ونور جديد داخل كل مؤسسة تربوية.

مقالات ذات صلة